توفي تشافس قبل أكثر من عشرة أيام، في الخامس من مارس آذار ٢٠١٣ في تمام الساعة الرابعة وخمس وعشرين دقيقة - حسب ما أعلنه آنذاك نائب الرئيس نيكولاس مادورو - لكن الجدل حوله مستمر، ليس فقط حول ما له وما عليه، حول حسناته وأخطائه، السياسية والاقتصادية، بل أيضاً حول مصير جثمانه بعد مماته
جثمان تشافس وهو ينقل من المشفى العسكري حيث وافته المنية إلى الأكاديمية العسكرية
نعش زجاجي
في السادس من مارس آذار نُقل جثمان تشافس من المشفى العسكري بكاراكاس إلى الأكاديمية العسكرية، حيث درس تشافس شاباً ومن ثم درَّس أيضاً. وبدأ الناس يتدفقون على الأكاديمية العسكرية كي يلقوا عليه النظرة الأخيرة عليه. كانت الأعداد كبيرة جداً، وكان الناس يصطفون في طوابير طويلة، بعضهم طوال الليل أو طوال النهار. كان تشافس يقبع في نعش زجاجي يستطيع من يزروه أن يرى عبره وجهه وهو يرتدي بزته العسكرية وقبعته الحمراء. وهذا تقليد في فنزويلا شهدتُه في جنازات بعض الأصدقاء عندما كنت أقيم هناك، إذ يضعون الميت في النعش الزجاجي على مرأى من الأسرة والأصدقاء قبيل دفنه
محبو تشافس يزورون نعشه الزجاجي
ومع استمرار تدفق أعداد كبيرة ممن يريدون وداع تشافس، أعلن نائب الرئيس في السابع من مارس آذار أن جثمان تشافس سيمكث في الأكاديمية العسكرية سبعة أيام على الأقل حتى يتسنى للجميع من كاراكاس ومن باقي أنحاء فنزويلا ومن خارج فنزويلا أن يودعه، وأنه سوف يتم تحنيط تشافس كي يبقى دائماً كما هو، يراه الجميع، وأنه سوف يُنصب له ضريح في ما يعرف بـ "متحف الثورة" ، وهو المقر العسكري الذي خطط منه تشافس عندما كان ضابطاً في الجيش، لانقلاب عسكري قام به مع ضباط آخرين في ٤ فبراير شباط ١٩٩٢ وفشل الانقلاب، وسُجن بعده تشافس ليخرج من السجن بطلاً ويفوز في الانتخابات الرئاسية عام ١٩٩٨ ويتسلم الحكم في فبراير شباط ١٩٩٩
من اليمين إلى اليسار: ابنة تشافس الكبرى روسا فيرخينيا، رئيسة البرازيل ديلما روسيف، رئيس البرازيل السابق لولا دا سيلفا، نائب الرئيس نيكولاس مادورو
وبدلاً من جنازته في الثامن من مارس آذار ٢٠١٣ ومع تدفق وفود حكومية وشخصيات معروفة من عشرات البلدان، أقيمت مراسم تشييع رسمية خاصة شارك فيها عدد كبير من رؤساء الدول أغلبهم من أمريكا اللاتينية إضافة إلى آخرين مثل الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، دون أن يتحرك الجثمان من مكانه في الأكاديمية العسكرية
انتظروا في حر النهار وظلام الليل كي يودعوا تشافس
واستمر تدفق الناس في طوابير طويلة على مدى الأيام التالية، قدر عددهم بالملايين، حتى تقرر نقل الجثمان إلى مثواه الأخير في متحف الثورة. لكنْ ثمة مفاجآتان: الأولى أنه قد لا يكون الأخير إلا بشكل مؤقت لأن كثيرين من مؤيديه يطالبون بنقل رفاته إلى ما يعرف بالبانتيون الوطني، وهو المكان الذي يقبع فيه رفات عظماء فنزويلا مثل محرر أمريكا اللاتينية سيمون بوليفار. والمفاجآة الثانية هي أنه لن يتم تحنيط تشافس كما أعلن سابقاً
مطالبات بنقل رفات تشافس إلى البانتيون الوطني إلى جانب عظماء فنزويلا
تحنيط تشافس
وسط إشاعات متواترة لم تتوقف منذ إصابة تشافس بالسرطان قبل عامين، ترددت تصريحات من زعيم المعارضة إينريكي كابريليس تشكك في التاريخ المعلن لوفاة تشافس، لترد عليه ابنته برسالة مفتوحة تؤكد فيها أنه فعلاً توفي في الخامس من مارس. وأخذ البعض يتساءل كيف لجثته أن تبقى كما هي أكثر من أسبوع في الأكاديمية العسكرية؟ سألتُ بعض المتخصصين وقالوا إن الأمر ممكن إن تم اتخاذ اجراءات معينة للحفاظ على الجثة. ثم علمت أن جثة الأرجنتينية إيفا بيرون عندما توفيت بقيت خمسة عشر يوماً قبل دفنها كي يودعها الشعب
ثم ذكَّر البعض بتصريحات لتشافس خلال إحدى خطبه التلفزيونية الطويلة في عام ٢٠٠٩ عبر فيها عن اشمئزازه من عرض جثث محنطة في أحد مراكز كاراكاس التجارية وقتها، وأنا أذكر موقفه حينها إذ قال إن عرض الجثث هو "تفسخ أخلاقي". لكن السياق طبعاً كان مختلفاً عن سياق تحنيطه هو كقائد، لأن اعتراضه كان على استخدام جثث أولئك الأشخاص لعرضها كاملة دون موافقة مسبقة منهم، ومن غير الواضح إن كان اعتراضه يشمل تحنيط أشخاص مثل لينين وهوتشي مين مثلاً، وهما الشخصيتان اللتان ضربهما نائب الرئيس مثالاً على أشخاص محنطين كما كان سيحنط تشافس. ثم انتشرت إشاعات أخرى تقول إن جميع أفراد أسرته ليسوا متفقين على تحنيطه، وأنا أرجح صحة تلك الإشاعات بالفعل. عددٌ من معارفي المؤيدين له عبروا لي عن عدم تأييدهم لقرار التحنيط
وأخيراً أعلنت الحكومة بالفعل أنه لن يتم تحنيطه وشرح وزير الإعلام أن خبراء من روسيا قالوا إن الوقت قد تأخر للبدء في تحنيطه بعد مرور عشرة أيام وإن الأمر يتطلب نقل الجثمان إلى روسيا لعدة أشهر. وبالتالي لن يتم تحنيطه
وطبعاً يتساءل الكل: لِمَ لم ينتبه المسؤولون الفنزويليون إلى كل هذه التفاصيل من البداية؟
لا أعرف. قد يكون قرار التحنيط قد اتخذ بشكل سريع دون دراسة معمقة له. وقد يكون الأمر قد خضع لإعادة النظر. في السياسة كل شيء خاضع لإعادة
النظر
مثواه الأخير
وفي الخامس عشر من مارس آذار، بعد عشرة أيام على وفاة تشافس، نقل أخيراً جثمانه من الأكاديمية العسكرية إلى متحف الثورة في موكب طاف شوارع كاراكاس بحضور أعداد كبيرة من الناس على أطراف الشوارع. وكانت أكثر الكلمات تأثيراً في تأبينه كلمة ابنته الوسطى ماريا غابريليا التي تحدثت للمرة الأولى في حياتها أمام جمهور عام، فكانت أفصح من الساسة بقليل من الكلمات
ماريا غابريليا تنعي والدها أوغو تشافس: شكراً لأنك أعدت إلينا الوطن، سنحافظ على الوطن من بعدك
يدعي كثيرون أن تشافس كان يريد أن يدفن في مسقط رأسه، قرية سابانيتا في ولاية باريناس، بعيداً جداً عن العاصمة كاراكاس. لكني لم أستطع التأكد من أن رغبته هذه مكتوبة في وصية ما أو قالها في مناسبة ما. وإن كان الأمر صحيحاً فإن إقامة ضريح له في متحف الثورة أو نقل رفاته إلى البانتيون أمران يخالفان رغبته. لكنه - كما يرى البعض - أصبح الآن ملكاً للفنزويليين، بينما يرى آخرون أن الحكومة تستخدم وفاته وجثمانه وذكراه كورقة انتخابية لضمان الفوز في انتخابات ١٤ أبريل نيسان الرئاسية
في متحف الثورة في حي ٢٣ يناير بكاراكاس يقبع رفات تشافس، حالياً، وسيكون مفتوحاً للزوار
وُضع رفاته إذاً في متحف الثورة، مؤقتاً، حتى يستتب الجدل حول نقله إلى البانتيون الوطني، وهو ما يتطلب تعديلَ الدستور الفنزويلي لأنه ينص على أن عظماء فنزويلا لا يمكن أن يدفنوا هناك إلا بعد مرور ٢٥ عاماً على وفاتهم. وتعديل الدستور - وهو من تركات تشافس نفسه - يتطلب استشارة الشعب، كما استشاره هو عندما طلب تعديل مادة فيه ليصبح ممكناً له الترشح عدداً غير محدد من المرات للانتخابات الرئاسية، ووافق الناخبون على التعديل. فترشح تشافس من جديد، وفاز من جديد بفارق كبير مع منافسه، لكن الموت كان أسرع من فترته الرئاسية ٢٠١٣-٢٠١٩
ملاحظة : الصور في التدوينة مأخوذة من وكالات الأنباء
No comments:
Post a Comment