هتاف
الشعب
يريد إسقاط النظام
ارحل
ارحل
أعود
إلى مصر بعد طول غياب لأجد التحرير يردد
نفس الشعارات. شعاراتُ
ثورة الخامس والعشرين من يناير كانت تصدح
من ساحة طلعت حرب في مسيرة من المسيرات
الكثيرة التي كانت تتجه إلى الميدان.
لكن أي "نظام"
يريدون إسقاطه؟
ومن الذي عليه أن "يرحل"؟
ألم يرحل مبارك، وثم رحل بعده طنطاوي؟
هتاف
يسقط
يسقط حكم المرشد
مع
وصولي إلى الميدان فهمت بأن المتجمعين
في الميدان في السابع والعشرين من نوفمبر ٢٠١٢، بعد قرابة عامين من انطلاق الثورة، يقصدون بـ "النظام"
نظام الإخوان
المسلمين الذين طالما رددوا أنهم لا
يطمعون بالسلطة ..
لكن
حصل عكس ذلك مع مرور الأيام
هتاف
الميدان
مليان من غير الإخوان
مع
تدفق المزيد من المسيرات من أنحاء المدينة
وازدياد الأعداد في الميدان وحلول الليل،
بدت الحماسة على وجوه الموجودين وكأنهم
يقولون: نحن
بالفعل موجودون، وليس "هم"
فقط
عندما
غادرتُ مصر المرة الماضية قبل وصول محمد مرسي إلى سدة الرئاسة كان "هُمْ"
بالنسبة لأهل
الميدان يعني المجلس العسكري.
أما اليوم فـ
"هُمْ"
يعني لأهل الميدان الإخوان المسلمين ومن يؤيدونهم
من أبناء الشعب المصري
لافتة
ضد
الديكتاتور أياً ما كان
السبب
الرئيس الذي دفع المتظاهرين إلى اللجوء
إلى الميدان - بدعم
من حركات وأحزاب سياسية معارضة كثيرة
تمتد من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار في
توجهاتها السياسية - هو
الإعلان الدستوري المكمل الذي منح محمد
مرسي بموجبه نفسه صلاحيات واسعة لم يكن
يحظى بها حتى مبارك. وطبعاً
مرسي قام بذلك باسم ثورة الخامس
والعشرين من يناير. ويبرر مؤيدوه والمحاديون الخطوة على أساس أنها مؤقتة والهدف
منها هو مواجهة مخططات النظام السابق
للإطاحة بمرسي عن كرسي الحكم بعد أن انتخبه
الشعب المصري
هتاف
يا
شهيد نام وارتاح إحنا نكمل الكفاح
لكن
الموجودين في الميدان مقتنعون بأن معارضة
مرسي هي استكمال لثورة الخامس والعشرين
من يناير وكثيرون يشعرون بواجب التضحية
كي لا يغضب عليهم الشهداء الذين ماتوا من
أجل الحرية والعدالة الاجتماعية
والديمقراطية. ويذهب سخط البعض إلى درجة القول إنهم يرون مرسي أسوأ من مبارك ويشعرون بأن تحذيرات مبارك من الإخوان، فزاعته المعتادة، كانت في محلها. بينما قال لي آخرون إنهم لا يتفقون مع شعارات “ارحل” و”إسقاط
النظام” لأن مرسي منتخب وعليه أن يكمل فترته
الرئاسية لكنهم لن يسمحوا له بـ "التطاول" ولا
بفرض ديكتاتورية جديدة
غرافيتي
من
أسود الحرية إلى كلاب الداخلية
أحا
يا مرسي
كنت في آخر زيارة
قد وقفت عند الجدران الأمنية في نفس البقعة. لكن تلك الجدران التي عرفتها حطمها المتظاهرون لتعيد وزارة
الداخلية بناء جدران جديدة في نفس المكان
تماماً عند قصر العيني ومحمد محمود، خلال
وجودي في القاهرة. فمنذ أكثر من أسبوع تستمر الاشتباكات والمناوشات
بين شبان متظاهرين ورجال الأمن، في ما
أصبح يعرف لدى سكان المنطقة بمثلث الرعب،
في محيط ميدان التحرير (محمد
محمود، سيمون بوليفار، قصر العيني، منطقة
السفارة الأمريكية) حيث
وصف لي أحد العائدين من هناك بأن ثمة ساحة
حرب حقيقية أسلحتها الحجارة والمولوتوف
من قبل الشبان والغاز والخرطوش من قبل
رجال الأمن
خارج
الميدان تتباين الآراء.
هناك طبعاً
المدافعون الشرسون عن مرسي وعن قراراته
وإعلانه الدستوري المكمل وهم يهاجمون الثوار
على أنهم مخربون يتحالفون مع الفلول في
مؤامرة يرى البعض أن ثمة يداً خارجية فيها
هدفها إضعاف مرسي بعد أن لعب دوراً إقليمياً
جريئاً في أزمة غزة الأخيرة
وهناك
المعتدلون أو الحياديون الذين لا يدعمون
الإخوان المسلمين ولا مرسي شخصياً، لكنهم
يتساءلون بسخط: أليس
من الأجدر أن نعطي مرسي الوقت والفرصة
قبل أن نعرقل عمله؟
وهناك
من سئموا السياسة والثورة والاعتصامات
والمسيرات والاشتباكات ويتمنون فقط أن
يعود الأمان والاستقرار، وما عادت لديهم
طاقة لمتابعة المعارك السياسية
لافتة
لافتة
لا استحواذ ولا ديكتاتورية لا قرارات عشوائية
مع
عودتي إلى الميدان من جديد في آخر الليل كان الناس
ما زالوا يتدفقون عليه بينما يغادر آخرون،
وكان بائعو المأكولات المتجولون منتشرين كعادتهم
في أنحاء الميدان، وكان البعض يغني، والآخر يهتف من وقت لآخر، وكانت الخيم على "صينية"
الدوار (وسطه)
تزداد عدداً.
صادفتُ وجوهاً "تحريرية" أصيلة أعرفها جيداً، وأخرى مألوفة.
لكن كانت هناك
وجوه مختلفة هذه المرة. سألتُ عن الوجوه الجديدة فقيل لي إنها لمنتمين إلى
"حزب
الكنبة". “أنا
جيت أشوف الثورة وأتعرف عليها"
قال أحدهم ممن
لم يشاركوا قط في أي مظاهرة من قبل، لكنه
تحرك هذه المرة. سألتُ: وهل هناك "فلول"؟ البعض أكد أنه
تم طرد بعض "الفلول" بالفعل من الميدان.
وهنا لغز من ألغاز
الخلطة الجديدة في ميدان التحرير في إطار التحرك الأخير ضد مرسي، لأن معاداة مرسي يتشارك فيها خصمان لدودان: جزء من الثوار - أعداء نظام مبارك - والفلول - مؤيدو نظام
مبارك
لقد
مر يوم السابع والعشرين من نوفمبر على
خير، ولم يتحول ميدان التحرير إلى ساحة معركة
وجهاً لوجه بين مؤيدي ومعارضي مرسي بعد
أن تم التراجع عن الدعوة إلى مظاهرات
مؤيدة لمرسي موازية للمظاهرات المعارضة.
لكن ذلك لا يعني أن مثل هذه المواجهة لن تحصل في المستقبل بعد أن بات من الواضح
أن الاستقطاب الحالي يحول الثورة نفسها
إلى ساحة معركة دائمة. فكلا الطرفين يقوم بكل ما يقوم به باسم الثورة
ودفاعاً عنها. ويأتي إصرار معارضي مرسي على ضرورة الاعتصام
في الميدان كمحاولة واضحة لإبقاء ميدان
التحرير في أيديهم، أي في أيدي المعارضة. لأن التحرير هو أرض الثورة، وصاحب تلك الأرض هو صاحب الثورة.. حتى إشعار آخر. وطالما هم ليسوا في السلطة أو لا يطمعون بها، فإن ثورة الميادين هي مكانهم الأمثل