قبل زمن غير بعيد كانت ما تعرف بـ "الانتخابات" العربية مهزلة من مهازل
الزمان، تـُعرف نتائـُجها قبل أعوام، ولعدة أعوام آتية. كانت عادة ما تأتي بنتيجة مماثلة لنتيجة "الانتخابات" السابقة، وأحياناً بنسبة تصل إلى ٩٩٪ أو أكثر لصالح المرشح الوحيد فيها. لكننا اليوم عرفنا طعماً آخر للانتخابات. عرفنا الآن ما معنى أن تكون هناك انتخابات - وأنا هنا لا أقول إن الانتخابات التي أجريت حتى الآن اتسمت بالكمال، أبداً، لكنها كانت انتخابات رغم عيوبها. لقد صارت الانتخابات الآن تبقينا على أعصابنا حتى اللحظة الأخيرة، ولا تبخل علينا بالمفاجآت. الانتخابات التونسية كانت التجربة الأولى، تابعناها كما لم نتابع أي انتخابات من قبل. ولن أنسى الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية المصرية، كنتُ حينها في الأردن، وبينما كان من دعوني إلى الغداء يتناولونه، تركتهم لألتصق بشاشة التلفزيون كي أسمع نتائج الانتخابات الرسمية، وهم فعلوا الشيء ذاته بعد دقائق. وفي الجولة الثانية من الانتخابات المصرية شعرت بأن ملايين العرب كانوا جالسين أمام الشاشات مشدودي الأعصاب يتابعون فرز الأصوات صندوقاً صندوقاً، لحظة لحظة. كنتُ يومها في اسبانيا ولم ترَ مدريد وجهي لأني كنت مثل كل هؤلاء العرب، متجمدة أمام شاشة الكومبيوتر في الفندق، وسط توقعات بشتى الاحتمالات ونظريات مؤامرة لا تنتهي. ثم ما كان من الانتخابات الليبية إلا أن فاجأتنا بفوز الليبيراليين، أو بالأحرى بعدم فوز الإسلاميين. إنها تجارب جديدة علينا، أن نترقب ونقلق ونسهر ونتحمس ويخيب أملنا ونتفاجأ، بعد أن كان الجمود هو سيد الموقف في كل انتخاباتنا
الزمان، تـُعرف نتائـُجها قبل أعوام، ولعدة أعوام آتية. كانت عادة ما تأتي بنتيجة مماثلة لنتيجة "الانتخابات" السابقة، وأحياناً بنسبة تصل إلى ٩٩٪ أو أكثر لصالح المرشح الوحيد فيها. لكننا اليوم عرفنا طعماً آخر للانتخابات. عرفنا الآن ما معنى أن تكون هناك انتخابات - وأنا هنا لا أقول إن الانتخابات التي أجريت حتى الآن اتسمت بالكمال، أبداً، لكنها كانت انتخابات رغم عيوبها. لقد صارت الانتخابات الآن تبقينا على أعصابنا حتى اللحظة الأخيرة، ولا تبخل علينا بالمفاجآت. الانتخابات التونسية كانت التجربة الأولى، تابعناها كما لم نتابع أي انتخابات من قبل. ولن أنسى الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية المصرية، كنتُ حينها في الأردن، وبينما كان من دعوني إلى الغداء يتناولونه، تركتهم لألتصق بشاشة التلفزيون كي أسمع نتائج الانتخابات الرسمية، وهم فعلوا الشيء ذاته بعد دقائق. وفي الجولة الثانية من الانتخابات المصرية شعرت بأن ملايين العرب كانوا جالسين أمام الشاشات مشدودي الأعصاب يتابعون فرز الأصوات صندوقاً صندوقاً، لحظة لحظة. كنتُ يومها في اسبانيا ولم ترَ مدريد وجهي لأني كنت مثل كل هؤلاء العرب، متجمدة أمام شاشة الكومبيوتر في الفندق، وسط توقعات بشتى الاحتمالات ونظريات مؤامرة لا تنتهي. ثم ما كان من الانتخابات الليبية إلا أن فاجأتنا بفوز الليبيراليين، أو بالأحرى بعدم فوز الإسلاميين. إنها تجارب جديدة علينا، أن نترقب ونقلق ونسهر ونتحمس ويخيب أملنا ونتفاجأ، بعد أن كان الجمود هو سيد الموقف في كل انتخاباتنا
قبل زمن غير بعيد كان السياسي العربي كائناً "معصوماً" عن الخطأ وعن الحساب. كان شخصاً بعيداً كل البعد عنا. كان في برجه العاجي محمياً من شظايانا وكنا لا نعرف معنى التعامل معه على أساس أنه موظف يعمل لخدمتنا كشعوب. والآن تحول السياسي إلى مخطئ حتى يثبت عكس ذلك، ولم يعد هناك برج يحميه من أصغر فرد في المجتمع، وتحول إلى متهم يُحاكم يومياً على وسائل التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام وفي أحاديث الناس اليومية في الشارع وفي المنزل وفي مكان العمل. ونرى هذه الظاهرة الجديدة عندنا - العرب - ليس فقط في بلدان الثورات العربية وإنما في بلدان أخرى تأثرت بجو الثورات وإن لم تقم فيها ثورات. كانت مهنة السياسة من أكثر المهن تقديساً لمن يمارسها، لتتحول اليوم إلى أكثر المهن عرضة للنقد والسخرية والتهكم والشتيمة. فترى السياسيَ اليوم يتعرض لتشريح شعبي قاسٍ لا هوادة فيه ولا رحمة، قبل حتى أن يجلس على كرسي منصبه الجديد
قبل زمن غير بعيد كنا نخاف من خيالنا، كنا نخاف من صوتنا الذي قد يسمعه أحدهم، أو من قلمنا الذي قد يكلفنا رقبتنا. كنا نخاف من عواقب التفكير خارج الإطار المحدد لنا. والآن أصبح الرأي السياسي ووجهة النظر أمراً عادياً، وظهرت ألوان سياسية لم نكن نعرف عن وجودها. وأصبح النشطاء السياسيون أكثر من السياسيين، وأصبح قلم من يدون على الانترنت أو صوت من يبدي رأيه على برامج التلفاز أمراً عادياً بغض النظر عن رأيه
باختصار، قبل زمن غير بعيد كان المواطن غير موجود. كان المواطن شيئاً غير مرئي، صامتاً، لا وزن له ولا أثر لوجوده. كان بالفعل "حشرة" كما وصف أحد الطغاة شعبه الثائر. صار الآن موجوداً. وفي بلدان عربية معينة صار المواطن مواطناً يُحسب حسابٌ لتفكيره وردة فعله، وصار لصوته صدىً، وصار أحياناً هو من يقوم بالفعل لتأتي السلطات برد فعل
أنا لا أقول أننا حققنا المواطنة كما نريدها، أو أننا اقتربنا من الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية التي نسعى إليها. كلا. لكن هناك حقاً أشياء ملموسة تغيرت في حياتنا اليومية، وأشياء جديدة دخلت حياتنا قد ننسى أحياناً في خضم تسارع الأحداث أن نلاحظها
أتطلع إذاً إلى أن أكتب قريباً: "قبل زمن غير بعيد" جديدة، عن تغييرات جديدة
1 comment:
رائعة يا ديمة، مقالة تحكي ما استشعره وما يستشعره الكثيرون، أنا كشاب أول انتخابات عربية أتابعها في حياتي هي الانتخابات المصرية،
شكراً لقلمك
Post a Comment