هالوين العرب: يا للهول
أستغرب فعلاً تغلغل فكرة العيد المعروف باسم هالوين بالانكليزية، الذي أسميه أنا عيد الرعب، إلى ثنايا المجتمع العربي
أستغرب حين أرى آباءً وأمهات يتظاهرون بأنهم يلعبون لعبة الرعب مع أطفالهم في حفلة من حفلات الهالوين وكأننا، العرب، نفتقر إلى عنصر الرعب في حياتنا، وكأنه شيء دخيل نتسلى به في حفلة
عيد الرعب
تعرفت على عيد الرعب هذا، عندما كنت في سن المراهقة، أثناء إقامة مطولة لي في الولايات المتحدة الأميركية. حسب فهمي له فإن أصوله مسيحية، ويصادف كل عام يوم 31 أكتوبر (تشرين الأول)، والهدف منه هو تذكر الموتى، بمن فيهم القديسون والشهداء وسائر «المؤمنين» الذين رحلوا
لكنه تحول إلى مناسبة تجارية للاستهلاك، ككل شيء تقريباً، فأصبح مناسبة يشتري الصغار والكبار على حد سواء من أجلها أزياء تنكرية، وتغير كل المحال زينتها على مدى أسابيع تأقلماً مع المناسبة، ويصبح كل شيء بلون أو طعم أو شكل شخصيات الهالوين
ليس عليك أن تنتظر
حسناً، هذا في الولايات المتحدة، حيث يشعر المواطن ــ ربما ــ بأنه يحتاج إلى شيء من الإثارة والرعب كي يكسر الجمود والرتابة في حياته اليومية، التي لا أشك في أن لها صعوباتها، لكنه على الأقل لا يتعرض لخطر تفجير أو قصف أو تعذيب أو تشرد أو اختفاء أو اعتقال كلما خرج من منزله
أما في الوطن العربي، فالرعب جزء من حياتنا اليومية. ليس عليك أن تنتظر قدوم 31 أكتوبر أو عيداً ما كي تعيش حالة الرعب. في بعض البلدان العربية ما عليك سوى النزول إلى الشارع وستجد الرعب في انتظارك، وما عليك أن ترعب أطفالك لأنهم مرعوبون أساساً من واقعهم المأساوي، وما عليك أن تبحث عن وحوش كاسرة تتنكر بأزيائها وأقنعتها، وتنبش في أساطير قديمة وحكايات خيالية حول مصاصي الدماء وأشباههم، فعندك تشكيلة واسعة في الواقع من وحوش حقيقية تبيد البشر وتمتص الدماء وتقتل الأطفال، وتقصف المدنيين وتفجر بيوت الناس وتدمر المدارس والمستشفيات وتغرق الناس بالغاز، وحتى بالأسلحة الكيماوية وتشرد الملايين
كوابيس واقعية
ليس عندنا حاجة إلى الخيال، فالواقع يسبق الخيال بكثير في رعبه. قرأت عن انتحاري في العراق قبل أيام أصر على تفجير نفسه رغم توسل الجميع له بألا يفعل، لأن الشخص الوحيد الذي كان قد بقي على قيد الحياة هو رضيع بعد أن قُتل كل أفراد الأسرة. حمل الطفل بيده، حسب الروايات التي قرأتها، وفجر نفسه بالحزام. وقبله بأيام آخر يفجر نفسه في مقهى شعبي ببغداد. الخيال نفسه لا يتسع لهذه الكوابيس
إن كنت من المحظوظين الذين يعيشون في بلد عربي آمن، في الوقت الحالي، فما عليك سوى أن تفتح تلفازك على أي نشرة أخبار، وسيتسلل الرعب إلى قلبك من أول خبر آتٍ من قصف في سوريا أو تفجير في العراق أو أطفال يموتون في اليمن، أو مزيد من معاناة الفلسطينيين. أو افتح الانترنت وستنهال عليك الأخبار الدموية وفيديوهات يوتيوب حتى عن نحر الرقاب وسحل الجثث، وأحياناً سحل الأحياء حتى الموت وتعذيب الأطفال واغتصاب النساء، وستبقى أصوات الضحايا تطاردك في ليلك ونهارك أياماً وأسابيع وربما العمر كله، تأتيك من فرع الرعب العربي على الانترنت
الزمن البريء
أعترف أنني كنت أنا نفسي أعشق في أيام المراهقة أفلام المخرج السينمائي البريطاني المعروف ألفرد هيتشكوك، وهو معروف بأفلام الرعب، لكنها أفلام مبنية على بث الخوف أكثر من نشر مشاهد الذبح والقتل. وفي مرحلة أخرى من حياتي استحوذتني أفلام تدور حول فكرة الهالوين فتحولها من عيد إلى حقيقة، وتحصل في الفيلم أحداث مرعبة ومروعة ودموية. لم أفهم وقتها سبب اهتمامي بها. وقتها كنا نعيش زمناً بريئاً نوعاً ما، بمعنى أننا بمعزل عن المعلومات والصور والفيديوهات التي تصور ما يحدث في بلادنا، فكان القمع وكانت الحروب وكانت المعاناة كلها تتم بلا نشطاء ولا يوتيوب ولا فيسبوك ولا تويتر ولا حتى فضائيات. وكان توثيقها يأتي لاحقاً ولا يطاردك في هاتفك المحمول. لكن مرت السنوات وأصبح كل شيء ينقل لنا على الهواء. فحتى أولئك الذين لا يعيشون تحت الرعب اليومي في حياتهم أصبحوا يعيشونه عبر التواصل المباشر
صورة الزعيم
لو دعيتَ إلى حفلة هالوين وقررتَ الذهاب ــ هداك الله ــ فهناك زي تنكري لن يكلفك شيئاً، بل سيكون من أسهل وأبسط ما يكون: صورة مكبرة لبشار الأسد من الصحف التي تعج بأخباره كل يوم. اصنع منها قناعاً، وستكون بلا شك أكثر وأخطر وحشاً في الحفلة.. إلا إن نافسك في بث الرعب فيها قناع لمعمر القذافي، أو لطاغية عربي آخر.. حتى حافظ الأسد إن رأيت صورته اليوم أصاب للوهلة الأولى بحالة ذعر تلقائية
أما من يريد إثارة ورعباً حقيقيين فليأخذ هالوينه هذا وليذهب به إلى سوريا، فهناك «عيد الهَوْل» الحقيقي
شكر خاص إلى الكاتبة الكويتية سعدية مفرح