فنزويلا ما بعد تشافيز
هل ستتغير سياسة كراكاس تجاه العالم العربي؟
بقلم : ديمة الخطيب
- swissinfo.ch
١٠ أبريل 2013
لم تكن فنزويلا بالنسبة للعالم العربي، قبل خمسة عشر عاماً، سوى بلد بعيد من بلدان أمريكا الجنوبية، يشتهِـر بأنه مصدر للنفط ولمَـلِكات الجمال
لكن منذ وصول هوغو تشافيز إلى الحُكم عام 1999، بعد فوزه في انتخابات رئاسية نهاية عام 1998، تغيّرت صورة فنزويلا ومكانتها لدى العالم العربي، وأصبح لها فيه حضور غير مسبوق. فهل يغيِّـر رحيل تشافيز من علاقات فنزويلا مع العالم العربي؟ وهل تتغيّـر مواقف فنزويلا، المسانِدة للقضية الفلسطينية أو يتبدّل موقفها المسانِد لنظام بشار الأسد؟ الإجابة تعتمِد بشكل كلِّي على مَن سيتولّى الحُكم في فنزويلا في السنوات القادمة
نيكولاس مادورو، القائم حاليا بمهام الرئيس خلال تجمّع انتخابي في سان فيرناندو أبور بفنيزويلا الأحد 7 أبريل 2013. ويواجه مادورو في الإنتخابات التي ستفرز خليفة لتشافيز زعيم المعارضة إنريكي كابريلاس
منذ غياب تشافيز، عندما توجّه إلى كوبا في ديسمبر 2012 للخضوع لعملية جراحية، كانت الأخيرة قبل وفاته، تولّى شؤون الرئاسة نائبه نيكولاس مادورو، بعد أن اختاره تشافيز خلفاً سياسياً له. وبالفعل، مادورو هو الآن مرشّح للرئاسة في الانتخابات الرئاسية، المُـزمع عقدها في الرابع عشر من أبريل الجاري، يُواجِهه فيها زعيم المعارضة إينريكي كابريليز، وهو نفسه الذي خسِر أمام تشافيز في آخر انتخابات رئاسية في أكتوبر 2012.
علاقات وطيدة مع العالم العربي
كان التقرّب من البلدان العربية، جزءاً من إيمان تشافيز بضرورة تحويل العالم إلى عالم متعدّد الأقطاب، بدلاً من أن يبقى أُحادياً أو ثُنائياً. وكان يرى أهمِية استراتيجية في تحسين علاقات بلاده مع العالم العربي لعدة أسباب، منها مصالح مُشتركة في مجال الطاقة، وأخرى تتعلّق بأولويات أيديولوجية، مثل النضال ضد الإمبريالية وضد الصهيونية وضد الهيْمنة العالمية على ما يُعرف بالعالم الثالث، والأهَـم ربّما كان بالنسبة له، بناء تحالف دولي يسانِده وقت الضيق
كان تشافيز يُـدرك بأن النفط هو سِلاح فنزويلا الأقوى، فبادر عام 2000 إلى استضافة قمّة استثنائية لدول الأوبيك، لرفع سِعر برميل النفط، بعد هبوطه إلى أسعار قياسية، ولم يتردّد حينئذ في زيارة كلّ بلدان أوبيك، بما فيها العراق (تحت الحِصار الدولي) وليبيا (في عهد القذافي، قبل تصالحه مع الغرب) وإيران (في عهد خاتمي). ومن هنا، شق بداية طريقه نحو علاقات أقوى مع العالم العربي وعلاقات مميّزة جداً مع إيران، التي تحوّلت إلى أكبر حُلفاء فنزويلا في الشرق الأوسط
ليبيا
تشافيز زار ليبيا عدّة مرات، بينما زاره صديقه الراحل معمّر القذافي في فنزويلا مرّة واحدة عام 2009. وخلال سنوات حُكم تشافيز وقّعت الحكومة الفنزويلية على عَـشَـرات الاتفاقيات مع ليبيا في مجالات تعاوُن واسِعة جداً، اقتصادية وتجارية ونفطية وحتى تعليمية وثقافية وعِلمية وزراعية. وعندما قامت الثورة الليبية عام 2011، كان تشافيز، أبرز رئيس دولة في العالم يُـعلن مساندته للقذافي، معتبراً ما يحصل في ليبيا مؤامرة إمبريالية. وقد رفض الاعتراف بأيّ حكومة ليبية جديدة، لكونها نتاج تدخل عسكري من دول حلف شمال الأطلسي
إن وصلت المعارضة الفنزويلية إلى الحكم، فهي ستُعيد العلاقات مع ليبيا الجديدة، بحُكمها دولة نفطية لها مصالح مُشتركة مع فنزويلا، وربّما أيضاً من باب التأكيد، على موقف المعارضة المغاير تماماً لموقِف تشافيز، الداعم للقذافي. أما بقاء الحزب الاشتراكي الحاكم في السلطة، فلا يتوقّع أن يُـغيِّـر الكثير في موقِف فنزويلا من ليبيا ما بعد القذافي، لأنه رغم اختلاف الكثيرين مع تشافيز حول دعم القذافي شخصياً، إلا أن قيادات الحزب الاشتراكي والثورة البوليفارية، تُـعارض بشكل قاطع الطريقة التي تم فيها قلب النظام في ليبيا وتخشى من سيناريوهات مُماثلة، قد تَـوَدُّ الولايات المتحدة تطبيقها في أمريكا اللاتينية، وقد يلين موقف ورثة تشافيز مع مرور الزمن، كما حصل مع العراق، الذي انتهى الأمر بفنزويلا بالاعتراف بحكومته الجديدة بعد إسقاط صدّام حسين، رغم موقِفها القوي جداً ضدّ الغزْو الأمريكي للعراق
العلاقات مع إسرائيل
كانت فنزويلا من أولى بلدان العالم التي ساندت قيام دولة إسرائيل عام 1948، وكانت حليفاً لإسرائيل إلى حين وصول تشافيز إلى الحُكم. فهو من أشدّ المناصرين للقضية الفلسطينية بين زعماء العالم. في عام 2006، بدأ التوتُّـر بين إسرائيل وفنزويلا، عندما سحب تشافيز أعلى دبلوماسي فنزويلي كان موجوداً في إسرائيل، احتجاجاً على حرب إسرائيل على جنوب لبنان. ثم عام 2009، طرد كافة الدبلوماسيين الإسرائيليين من سفارة إسرائيل في كاراكاس وأغلقها وقطَـع العلاقات كامِلة مع إسرائيل، احتجاجاً على حربها على غزّة، وتعهَّـد بأن لا يُعيد العلاقات معها، إلا إذا غيّـرت سياساتها تُجاه الفلسطينيين
في عام 2009، تمّ افتتاح أول سفارة فلسطينية في فنزويلا وكُتِـب عليها اسم: سفارة دولة فلسطين. وتمّ توقيع عدّة اتفاقيات مع السلطة الفلسطينية في مجالات الصحة والتعليم والزراعة وغيرها. وقد زار الرئيس محمود عباس فنزويلا وأصبح هناك طلبة فلسطينيون يدرسون في فنزويلا عبْر مِنَـح دراسية، رغم أن المعارضة لا يتوقع لها أن تغلق تلك السفارة وقد لا تطرد الطلبة الفلسطينيين، إلا أنها صرّحت بوضوح بأنها في حال وصولها إلى الحُكم، ستعيد فوراً العلاقات مع إسرائيل إلى سابق عهْـدها وتُعيد فتح السفارة الإسرائيلية
أما بقاء الحزب الاشتراكي في الحُكم، وخاصة بزعامة نيكولاس مادورو، فسيعني استمرار انقِطاع العلاقات مع إسرائيل. فمادورو مُدافع شرِس عن القضية الفلسطينية ومُؤمن بعدالتها ومُعارض شديد للصَّهيونية. لكنه قد يعمل على مُراعاة مصالح الجالية اليهودية في فنزويلا بشكل أفضَل من عهد
تشافيز
سوريا
زار تشافيز سوريا مرّتين، وفي كِلتا المرتيْن، حظي باستقبال شعبي حافل، كان جانب منه مرتّباً من قبل النظام، لكن كان هناك جانب حقيقي يعكِس محبّة كثير من السوريين له وإعجابهم به، بسبب مواقفه ضد إسرائيل. كانت آخر زيارة له عام 2009. وكان الرئيس بشار الأسد، أول رئيس سوري يزور أمريكا اللاتينية، ومن ضمنها فنزويلا، حيث توجد جالية سورية كبيرة جداً. وقد وقّع البلَـدان عَشَـرات الاتفاقيات في مجالات الطاقة والغذاء والتجارة
عندما قامت الثورة السورية، كان موقف تشافيز صريحاً في تأييده لبشار الأسد، لنفس الأسباب التي جعلته يؤيِّـد معمر القذافي، وهنا خسِر تشافيز محبّة كثير من السوريين والعرب. لكن علاقاته الممتازة مع الأسد، استمرت وأرسل تشافيز عدّة شحنات من البنزين إلى النظام السوري أثناء الثورة، لدعمه في مواجهتها. لا شك بأن المعارضة الفنزويلية تقِف ضدّ النظام السوري، ومن شأن وصولها إلى الحُكم أن يغيّر تماماً من طبيعة العلاقة معه وقد يؤثر على الاتفاقيات التجارية والنفطية بين البلدين. أما بقاء الحزب الاشتراكي في الحُكم، فليس من شأنه تغيير موقِف فنزويلا إزاء ما يحصل في سوريا، ويتوقع لمادورو أن يُـدافع عن شرعية نظام الأسد، حتى آخر رمق
دول عربية أخرى
حاول تشافيز بكل الوسائل أن يعقد علاقات مميّزة ومقرّبة مع كل البلدان العربية، لكنه لم يجد استِجابة من أغلبها، وبقيت الاستجابة كلاماً في كلام لم تُـتَـرجم على أرض الواقع بأي تبادُلات تجارية أو اتفاقيات نوعِية. لكنه استطاع أن يبني علاقات جيدة مع الجزائر ومع السودان – التي افتتحت سفارة في كاراكاس للمرة الأولى – ومع قطر (قبل اندِلاع الثورات العربية). وكانت علاقته فاترة مع المغرب، بسبب دعمه لحركة البوليساريو في الصحراء الغربية
لا تغيير في الأفق حالياً
قبل أسبوع من إجراء انتخابات رئاسية جديدة في فنزويلا، تشير أغلب استطلاعات الرأي إلى تقدّم مرشّح الحزب الفنزويلي الاشتراكي الموحّد نيكولاس مادورو على منافسه مرشّح المعارضة إينريكي كابريليز، بفارق كبير. إن صدقت هذه التنبُّـؤات، فهذا يعني أن التغيير في سياسة فنزويلا الخارجية غير متوقّع، خاصة أن مادورو نفسه كان وزير خارجية تشافيز على مدى سنوات طويلة، وهو مَـن رسم ونفَّـذ السياسة الخارجية، وهو أيضا مَن بنى العلاقات مع البلدان العربية ومَن قطعها مع إسرائيل
في المقابل، فإن وصول المعارضة إلى السلطة – إن تحقّق في أي وقت كان، سواء الآن أم لاحقاً - سوف ينعكِس بشكلٍ كبير على علاقات فنزويلا الدولية وتحالفاتها وسوف يَطال المِنطقة العربية، لا محالة، وقد يقلب الأمور مائة وثمانين درجة، لدرجة قد تجعل العدُو صديقاً والصديق عدُواً، في حالة إيران وروسيا وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وسوريا