تريثتُ قبل أن أمسك قلمي وأخط لك هذه الأسطر
تعرفت عليك أثناء زيارتي الأولى لفنزويلا عام ٢٠٠٢ بعد أن أعادك الشعب إلى الحكم إثر انقلاب ضدك دعمته اسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية. أجريت معك ٣ لقاءات لبرنامج وثائقي للجزيرة مع أسعد طه، هو "يحكى أن : أوغو تشافس"، يروي قصة حياتك التي تتبعناها مع أشخاص عايشوك قابلتهُم وتحدثتُ معهم، بعضهم كان قد خاب أمله فيك بعد طول خبز وملح
وبعدها عدت إلى فنزويلا وأجريت معك لقاء جديدا عام ٢٠٠٤ ليلة الاستفتاء التاريخي على بقائك في الرئاسة. فزتَ به وكنتُ أنا أولَ من أعلن الخبر. وكنتُ أيضا أولَ من أعلن خبر فوزك الساحق بانتخابات رئاسية عام ٢٠٠٦ بعد أن تم انتدابي من الصين إلى فنزويلا منتصف عام ٢٠٠٥ ، حيث أسستُ مكتبا إقليميا للجزيرة ليكون أول وجود دائم لوسيلة إعلام عربية في كل أمريكا اللاتينية وأول مكتب رسمي لقناة تلفزيونية أجنبية في فنزويلا
وكنتُ من أجريت معك لقاء قبيل القمة العربية الأمريكية الجنوبية في الدوحة، في مارس آذار ٢٠٠٩ تعهدتَ فيه ألا تعيد العلاقات مع اسرائيل طالما هي استمرت بسياساتها ضد الفلسطنيين. وكان خطابك في القمة أكثر خطاب عبر عن الشعوب العربية رغم وجود كل الزعماء العرب
أعتقد أنه لا يوجد مراسل أجنبي عرفك عن كثب وسافر معك وتحدث إليك، مثلي. وكنتُ ولا زلت أفتخر باحترامك لشخصي واستماعك لي ولأسئلتي خاصة عندما لم أكن أوافقك الرأي. وأرجو أن يستمر احترامك لي بعد رسالتي هذه
لقد كتبتُ عنكَ وفيكَ الكثير طوال سنوات تغطيتي لفنزويلا ولثورتك البوليفارية ومعاداتك للهيمنة وسعيك مع حلفائك في القارة إلى التحرر من الجار الشمالي، الولايات المتحدة. أذكر مرة خرجت مظاهرة تؤيدك، فكتبت الوكالات: خمسة آلاف، وكتبت أنا: ثلاثين ألفا، ليس حبا بك أو بحكومتك أو بثورتك، بل لأنها كانت الحقيقة، لأنني دائما أسعى لأن أكتب وأقول كلمة حق
تريثتُ بالكتابة لأنني ربما كنت آمل أنك ستغير من موقفك من ليبيا.. ستصححه.. لكنك تزداد تمسكا به ودفاعا عنه. وأنا لن أتغير، سأقول كلمة حق
سمعتكَ تقارن بين انقلاب ٢٠٠٢ ضدك وبين ما يحصل في ليبيا وتعجبت.. قلتَ إن وسائل الإعلام ربما تشوه ما يحصل في ليبيا كما شوهت ما حصل في فنزويلا آنذاك عندما ادعت أنك أرسلتَ من يطلقون النار على متظاهرين عزل. قلتَ أيضا إن المجتمع الدولي يتهم القذافي بأشياء لا إثبات عليها، تماما كما اتهموك بأشياء كثيرة ثبت أنها غير صحيحة مثل دعمك لما يسمون بالإرهابيين
عجيبة مقارنتك بين انقلاب غير دستوري مدعوم من قوى خارجية ضد رئيس منتخب ديمقراطيا مدعوم من شعبه، وثورة ضد طاغية لم يـُنتخب يوما، وأرسل من يقتل الشعب بالرصاص في أول بوادر انتفاضته
وعجيب تجاهلك للثورة الليبية مع أنها مثل الثورة المصرية التي أيدتها. أم أنك فعلت ذلك فقط لأن حسني مبارك كان مواليا لواشنطن؟ إن الثورة الليبية مثل الثورتين التونسية والمصرية، هي حركات عفوية شعبية ضد استبداد دام عقودا. الفرق هو ظروف ليبيا والقمع الرهيب
هل تدرك أنك كنتَ شخصية تلهم الكثيرين في الوطن العربي، وواحدا من أكثر من يحترمهم الضمير العربي لمواقفك الكثيرة مع القضايا العربية وضد اسرائيل، ومنها مساندتك للشعب العراقي، ومساندتك للشعب اللبناني عام ٢٠٠٦ إبان حرب اسرائيل على جنوب لبنان، وللشعب الفلسطيني عام ٢٠٠٩ عندما شنت اسرائيل حربا على غزة فقمت أنتَ بطرد الدبلوماسيين الاسرائيليين وبقطع العلاقات مع تل أبيب كما لم يفعل أي زعيم عربي؟ أقول: كنتَ، لأنك الآن صدمتَ من أحبوك بسبب وقفتك مع القذافي
ليتكَ حتى تستفيد على الأقل من صداقتك مع القذافي. أنا رافقتك إلى ليبيا عام ٢٠٠٩ كما كنت موجودة أثناء زيارة القذافي لفنزويلا عام ٢٠١٠ ، وأعرف أن كل ما يقال عن استفادتك المادية من علاقتك به ليس صحيحا. هو مجرد تحالف استراتيجي لك ضمن الأوبيك، وهو تحالف رمزي، أنتَ من تبحث عن حلفاء لوقت الشدة لأنك تشعر أنك مستهدف. وها أنت وقت الشدة تقف مع صديقك، بعكس أصدقائه الآخرين الذين تخلوا عنه بسهولة أو هكذا يبدون.أنت تريد أن تثبت أنك صديق وفي وليس مثلهم لأنك أنتَ تريد أن تعول على أصدقاء حقيقيين لك أيضا. حاولتَ أن تنئي بنفسك عن جرائم القذافي فقلتَ إنك لا تدعم كل قرار يتخذه أصدقاؤك، لكنك تدعم ضمنيا رجلا شريرا، السكوت عن جرائمه هو بمثابة تواطؤ معه
أول من حذر من مخطط لحلف شمال الأطلسي لغزو ليبيا والاستيلاء على نفطها كان فيديل كاسترو، أباك الروحي، في ٢١ فبراير شباط، أي بعد بضعة أيام من انطلاق الانتفاضة في ليبيا. لكن كاسترو لم يدافع عن القذافي مثلك وأبعد نفسه عنه، فقط اتهم الغرب بأطماع في ليبيا. أنتَ الآن تقول إن ثمة مخططا مشابها يحاك ضد فنزويلا لتفريق الجيش ضدك وغزو بلادك للاستيلاء على نفطها، كما يريدون أن يفعلوا في ليبيا
قد يكون صحيحا كلامك، ولا شك أن القوى العالمية تود ملء الفراغ بما يناسب مصالحها في المنطقة العربية. لا أجادلك في ذلك. لكن لا يعني أن انتفاضة الشعب الليبي هي مخطط أمريكي وأن الشعب المنتفض عميل للامبريالية. ثم ألم تلاحظ أننا أصبحنا شعوبا منتفضة واعية تقف في وجه الطغاة وفي وجه العملاء أيضا؟
عندما خرجتَ بفكرة لجنة دولية من أجل السلام في ليبيا تقوم بوساطة بين الحكومة الليبية وزعماء المعارضة كما قلت، بدت لي فكرة حسنة وممكنة، وإن صعبة. وظننت بسذاجة أنك تريد أن تخرج نفسك من مأزق دعم القذافي. كنتُ أنا أول من قلتُ وكتبتُ أنكَ يمكن أن تؤثر على القذافي وتقنعه بتسوية، ربما رحيله مقابل ضمانات. لكن اعذرني على التعبير: بدل ما تكحلها عميتها
ظننتُ أنك ستجعلها مبادرة دولية حقا. لكن العرب لم يهتموا بها، على الأقل علنا، وتوقعنا أن تضم الوساطة دولا لها ثقل دولي مثل البرازيل وربما دولة أوروبية مثل البرتغال، حليفتك الاشتراكية، ودولا افريقية. لكن دعم الوساطة أتى فقط من دول التحالف البوليفاري لدول الأمريكتين وهي دول لا ثقل دوليا لها. ومع أن فنزويلا أقوى وأغنى دول التحالف البوليفاري إلا أن تلك الدول ومنها بوليفيا والإكوادور لم تتبن حتى دعمك للقذافي. ثم إن موقفك غير المعترِف إطلاقا بوجهة نظر الطرف الآخر يضعفك كوسيط. فأنتَ فقط تعكس وجهة نظر النظام الليبي وتتحدث عما يحصل على أنه تهجم من البعض على مؤسسات الدولة. وأنتَ أصلا لم تتصل بالطرف الآخر لمفاتحته بالوساطة
وحتى القذافي نفسه، صديقك .. قال لفرانس ٢٤ إنه لا داعي لوساطة، عندما سئل عن وساطة فنزويلا. وكان سيف الإسلام قد رفض وساطتك أيضا وقال إن فنزويلا بعيدة وليست لديها فكرة عن ليبيا
ربما هذه النقطة الوحيدة التي أتفق فيها مع سيف الإسلام. أشعر فعلا أن فنزويلا لم تفهم ما يحصل في ليبيا وأشك أنها تفهم حتى ما حصل في تونس ومصر ويحصل أو سيحصل في كل الدول العربية الأخرى
هل تدرك أن العرب يستلهمون من نضالات أمريكا اللاتينية من أجل الحرية؟ هل تدرك أنك أنت شخصيا أصبحت رمزا لرجل أمريكي لاتيني ثوري لا يخاف لا من العام سام ولا من حليفته اسرائيل؟ حسنا أنك تطالب بإدانة المجتمع الدولي لمجازر اسرائيل في غزة وللمجازر في العراق وأفغانستان. لكن عندما ترفض إدانة القذافي ألا تقوم بنفس ما يقوم به الآخرون؟ هو تماما ما تفعله واشنطن مع اسرائيل
كثيرون كتبوا لي مصدومين بموقفك. قالوا إنك "أحرقت مجدك" وكتبوا: "قولي له ، نحن ندين اسرائيل وقصف أفغانستان وباكستان أيضا لكن مع هذا لم ندعم المجنون". وطبعا ما يردده الجميع: "ألا يعرف تشافس أن القذافي ليس معاديا للامبريالية وليس ثوريا؟". أنا أعرف أنك تعرف ذلك جيدا. هل يعقل أن الأمور لديك لا تحسب إلا على أساس امبريالية وضدها فترفض من حيث المبدأ أن يكون موقفك مثل موقف باقي العالم؟
أعرف أنك بالفعل تعاني من مخططات الامبريالية التي تلاحقك من كل حدب وصدب. لكن العرب يتحررون ، أخيرا ، وكانوا ينتظرون ممن بدا لهم ثوريا، أن يكون أول صوت يشجعهم وينصحهم. فجاء رده معاكسا مخيبا
ملفت للنظر أن صديقك لم يشكرك مرة واحدة على دعمك. في كل مقابلاته يتوجه إلى الغرب، يستنجدهم لمساعدته في مواجهة من يقول إنهم إرهابيون ويعبر عن خيبة أمله في تخلي الغرب عنه بعد أن تحالف معه
وحتى من هم مناضلون في حزبك الاشتراكي من أبناء الجاليات العربية في فنزويلا ليسوا معك في تأييد النظام الليبي. كما أن مثقفين كثيرين من اليسار في أوروبا والولايات المتحدة وأمريكا الجنوبية يستنكرون لموقفك الذي كان يمكن مثلا ألا يدافع عن النظام ولا يدعم التدخل الأجنبي كما فعل الكثيرون مع العراق، لا مع صدام ولا مع الغزو
أعرف أنك لن تعدل عن موقفك خاصة في الظروف الحالية التي أصبح ممكنا الإعلان فيها عن فرض حظر جوي على ليبيا، وهو عمل عسكري طبعا وتدخل أجنبي، وهو ما تندد به. أيضا تحول الثورة من حركة شعبية عفوية إلى ثورة مسلحة يدعم أولى كلماتك التي كتبتها عن ليبيا على تويتر: القذافي يواجه حربا أهلية
كان ذلك في٢٤ فبراير شباط ٢٠١١ اليوم الذي لم يعترف به أوغو تشافس بثورة عربية حقيقية بنسائها ورجالها وشبابها، اليوم الذي تحول فيه أوغو تشافس من رمز ثوري وصوت للحق لدى فئات كثيرة من ثلاثمئة مليون عربي، إلى خيبة أمل أخرى ضمن زعماء العالم
من مواطنة عربية حرة وثورية توجتك يوما تشافس العرب
ديمة الخطيب
اقرأ مقالتي حول "تشافس العرب" باللغة الانكليزية