"فلندافع
عن حق فلسطين في في أن تكون عضواً كاملاً
في منظمة الأمم المتحدة"
الصوت
في المذياع في السيارة ليس غريباً على أي
فنزويلي، يظهر في جمل قصيرة مسجلة ومبعثرة
في فواصل الإعلانات التجارية
"نريد
السلام، نريد أن يتوقف العدوان على فلسطين،
نريد السلام في العالم"
يعود
الصوت من جديد بعد أغنية هيب هوب.
إنه الرئيس
الراحل أوغو تشافس في مقاطع من خطبه
الطويلة التي كثيراً ما كان يذكر فيها
فلسطين ويشرح تاريخها وينادي بحريتها.
على
محطة إذاعية أخرى يذكّر مذيع زميلته على
الأثير وهما يطلعان على آخر الأخبار من
غزة بأن القضية ليست قضية مستوطنين ثلاثة
اختطفوا قبل أسابيع، بل هي قضية أرض
احتلتها اسرائيل دون حق وحرمت الفلسطينيين
منها، ويشرح:
"تخيلي لو
أن فنزويلا تحولت إلى ولايتين فقط، غير
متصلتين، والباقي احتلته دولة جديدة.
هكذا هي غزة
والضفة اليوم"
في
ساحة "الفنزويلي"
وسط العاصمة
كاراكاس تقضي سيدة من أصل عربي وقتها تصلي
من أجل غزة فيتوقف المارة ويتجاوبون معها
بجمل شديدة اللهجة:
اسرائيل
مجرمة تمارس إبادة جماعية، فلسطين حرة،
اسرائيل هي الإرهابية الأولى.
على بعد مسافة
قصيرة من هناك تحول مقر وزارة الخارجية
الفنزويلية المعروف بالبيت الأصفر على
مدى أيام إلى مركز لجمع التبرعات من أجل
غزة من أدوية وملابس ومواد غذائية وسواها
كي تكون شحنة المساعدات الإنسانية الثانية
التي ترسلها فنزويلا بالتنسيق مع سفارة
دولة فلسطين في كاراكاس إلى القطاع منذ
بدء العدوان الاسرائيلي الحالي عليه.
ابراهيم
فنزويلي من أبوين فلسطينيين كان يقرأ
لائحة المواد المطلوبة:
بطانيات،
وسادات، ملابس، الخ.
ويستغرب كيف
أن الفنزويليين أكثر اهتماماً من بعض
أبناء الجالية العربية هنا:
“انظري إليهم
جالسين في محالهم التجارية لا يهتمون سوى
بملء جيوبهم بالمال".
بينما يعلق
رجل من المارة:
“لا أمانع
في أن نساعد الشعوب لكن كيف لنا أن نتبرع
بما نكاد لا نجده هنا لاستهلاكنا الشخصي
مثل الحليب والسكر؟ حالتنا الاقتصادية
سيئة للغاية".
فترد عليه
شابة فنزويلية:
“بالفعل،
لكن إن كنت محظوظاً وحصلت على حليب فلم
لا تشارك أهل غزة المساكين به؟"
معارضو الحكومة أيضاً مع غزة
في
حي غني شرق العاصمة يتوقع المرء أن يكون
لمعارضي الحكومة موقفاً مغايراً، فهم
عادة ما يبنون مواقفهم من كل شيء بناء على
معارضة موقف الحكومة.
خوان رجل
أعمال مشغول في غداء عمل مع المحامين قال
باختصار:
"غزة
مذبحة”.
وغيره من
المعارضين كانوا مشمئزين من قتل الأطفال
الأبرياء بلا حياء، كما قالوا.
سوزانا
خليل ناشطة فنزويلية من أبوين فلسطينيين
وعضوة في جمعية كنعان، إحدى مؤسسات المجتمع
المدني التي تقوم بمشاريع لدعم الشعب
الفلسطيني، تقر بأن فنزويلا تغيرت تجاه
فلسطين تماماً منذ وصول الراحل تشافس إلى
الحكم عام ١٩٩٩ والذي ترى أنه ثقّف
الفنزويليين عن قضية فلسطين، وتعبر عن
فخرها بأن "فنزويلا
اليوم من أشد منتقدي الحركة الصهيونية
العالمية ودولة اسرائيل العنصرية في
العالم".
وإن
كانت فنزويلا قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية
بالكامل مع اسرائيل على خلفية عدوان
اسرائيل على غزة في ٢٠٠٨-٢٠٠٩
وطردت وقتها كل موظفي السفارة الاسرائيلية
من كاراكاس بشكل مهين، فإن بلداناً اخرى
في القارة سحبت سفراءها من تل أبيب على
خلفية العدوان الحالي، مثل الإكوادور
والبرازيل والبيرو والسلفادور وتشيلي.
أما بوليفيا
التي قطعت العلاقات مع اسرائيل مثل فنزويلا
في مطلع عام ٢٠٠٩
فأعلن رئيسها إيفو موراليس أن بلاده تعتبر
اسرائيل دولة إرهابية لاغياً اتفاقاً
قديماً بالسماح للمواطنين الاسرائيليين
بدخول بوليفيا بدون فيزا.
واللافت
للنظر أن حكومات اليسار المعتدل وليس فقط
اليسار المعادي للامبريالية تتخذ هذه
المرة مواقف صارمة ضد اسرائيل، علماً بأن
نيكاراغوا أيضاً قطعت علاقاتها مع اسرائيل
قبل سنوات، وطبعاً كوبا سبقت الجميع في
السبعينيات.
تشيلي عكس فنزويلا
وبعكس
فنزويلا حيث تأتي جهود دعم فلسطين وتغيير
نظرة الناس من قمة الهرم، أي من القيادة
السياسية، وحيث يقيم عدد قليل نسبياً من
الفلسطينيين لا يتجاوز عشرة آلاف مقابل
أعداد كبيرة من السوريين واللبنانيين،
تشهد تشيلي حركة معاكسة من أسفل الهرم أي
من مؤسسات المجتمع المدني.
ففيها أكبر
جالية فلسطينية، من بينهم أثرياء وسياسيون
وشخصيات مؤثرة في المجتمع.
وتعتبر
الفدرالية الفلسطينية في تشيلي إحدى أهم
المؤسسات الداعمة لفلسطين، ويقول رئيسها
ماوريسيو أبو غوش إن التضامن الشعبي في
تشيلي مع غزة غير مسبوق، ويشرح:
“شهدت الأربع
سنوات الأخيرة قفزة في إيصال المعلومات
والحقيقة بفضل مواقع التواصل الاجتماعي
فنجد اليوم أن ٩٥٪ من تعليقات التشيليين
على الانترنت تساند فلسطين رغم كل جهود
اللوبي الصهيوني لتصوير اليهود على أنهم
دائماً الضحية".
ويعبر أبو
غوش عن فرحته بأن الناس استجابت مع فعاليات
عدة مثل المظاهرات والمسيرات إلى السفارة
الاسرائيلية، ويشرح أنه وأفراد من الجالية
لونوا على عدة سيارات جملة "فلسطين
تقاوم الهولوكوست الاسرائيلي"
فكانت الناس
تحييهم وتساندهم وهم يطوفون شوارع العاصمة
سانتياغو.
ورغم
أن تعداد أبناء الجالية اليهودية في تشيلي
لا يتجاوز ٢٥ ألفاً مقابل ٣٠٠ ألف من أبناء
الجالية الفلسطينية، إلا أن المعركة
الإعلامية ليست سهلة مع اتباع كبرى وسائل
الإعلام خطاً تحريرياً مبنياً على وجهة
نظر اسرائيل، وإعطائها مساحة واسعة
للمدافعين عن اسرائيل من شخصيات الجالية
اليهودية الذين يكررون أن القضية هي خلاف
ديني وأن حماس إرهابية وأن اسرائيل تدافع
عن نفسها وأنه لا يوجد حتى احتلال أو حصار.
ونجح ما يمكن
تسميته اللوبي الفلسطيني في اختراق بعض
المساحات الإعلامية لعرض وجهة نظر مغايرة
ولمواجهة حملة تشويه الحقائق عبر شخصيات
سياسية معروفة مثل عمدة أحد أحياء العاصمة،
دانييل حدوة
ويبتسم
ماوريسيو أبو غوش حين يُسأل عن سر نجاح
الجالية في الضغط على الحكومة كي تسحب
سفيرها من تل أبيب ويقول إنه لن يعطي
الوصفة كي لا تنكشف آليات عمل الجالية بل
يكتفي بالقول إنه يتم الاعتماد على
برلمانيين وشخصيات ذات نفوذ اقتصادي، من
أصول فلسطينية، ويقول متفائلاً:
"هدفنا
الآن الضغط على الحكومة لقطع العلاقات
الدبلوماسية تماماً مع اسرائيل".
وتستمر
المظاهرات والفعاليات من أجل غزة في شوارع
تشيلي وفنزويلا طالما يستمر العدوان
الاسرائيلي