15 Jul 2011

التحرير : مصر مصغرة

كان الحر شديداً جداً في جمعة الإنذار الأخير.. لا أعرف كيف يستطيع الناس أن يبقوا في مثل هذا الحر يهتفون

أنا كنت مختبئة أغلب الوقت في ظل الخيام حيث كان الحر شديداً أيضاً 
كانت المشاركة في المظاهرات أقل بكثير من الجمعة الماضية
لكن الاعتصام مستمر والخيام أكثر من الجمعة الماضية

انزعجت قليلاً من طريقة تعامل المسؤولين عن تفتيش الداخلين إلى الميدان. فهم يشكون في الأجنبي، وأقصد بالأجنبي غير المصري مع أنني لا أعتبر نفسي أجنبية في مصر. لكني عوملت وكأنني يمكن أن أشكل خطراً ما.. كانت الفتيات عند المدخل يبحثن في جواز سفري عن ختم دخول إلى اسرائيل. قلت لهن : أنا فلسطينية لا تستطيع حتى الدخول إلى فلسطين فكيف لها أن تدخل اسرائيل؟ وحتى لو كان لدي ختم من اسرائيل، هل يعني أنني لا أستطيع أن أدخل ميدان التحرير؟

وفي مرة ثانية أخرجت فتاة من فتيات المدخل عند القصر العيني العطر من حقيبتي ورشته على يدي وقالت : شمي. فقلت لها: شمي أنت. قالت : لا، شمي أنت. فرفضت وسألتها : هل تظنين أنني سأحمل غازاً ساماً في حقيبتي أم ماذا؟

هناك ٣ فئات من الأشخاص في ميدان التحرير حسب ملاحظاتي طوال الأسبوع. الفئة الأولى هي فئة المطالبين بأدنى الحقوق الاجتماعية وغالبيتهم من العاطلين عن العمل وهم الفئة التي تهتف دائماً وتملأ الميدان حركة
الفئة الثانية هي فئة المثقفين وأغلبهم من الشباب ولديهم هواتفهم الذكية وحواسيبهم المحمولة، يعتصمون في الخيام ويكتبون، يفكرون، يتناقشون. وهم المطالبون بالحقوق السياسية 
والفئة الثالثة هي الفئة التي لا أعرف ما هي. وهي الفئة التي تثير لدي الشكوك وتخيفني أحياناً

إن جهل الفتاة عند بوابة القصر العيني هو ما يجعلها تتصرف معي بطريقة تذكرني بتعامل أي أمن عربي معي في أي مطار، يبحث في جواز سفري عن الأختام. أنا أتفهمها وأتفهم مخاوفها، فهي في النهاية تسعى لضمان أمن الموجودين ولعلها تخشى من دخول "جاسوس" ما مع أنني أقول صراحة إنني مراسلة لقناة الجزيرة وأخرج هويتي الصحفية. فكيف تعامل يا ترى غير المصريين ممن ليسوا صحفيين من مؤسسة معروفة؟

لقد رأيت بأم عيني في أمريكا اللاتينية كيف يمكن للثوريين أن ينحرفوا عن مسارهم لمجرد تساهل بمبدأ اليوم وارتكاب خطأ أو زلة غداً، باسم أشياء كثيرة مثل المؤامرات والعدو الأكبر وغيرهما تهدد ثورتهم


وقد أثير جدل واسع قبل يومين في الميدان وخارجه حول تعامل المعتصمين مع "البلطجية" واللصوص لأنه تم التعامل معهم بإهانة - وحسب وصف البعض - كما تتعامل الداخلية مع المواطنين

ميدان التحرير هو مصر مصغرة لا بد لمشاكل مصر أن تظهر فيه. لا بد أن يخطئ أحياناً ويتعلم من أخطائه. لكن بما أنه يتحمل مسؤولية شعب بأكمله ينتمي أغلبه إلى ما يعرف هنا بحزب الكنبة، أي الأغلبية الصامتة، فعليه أن يكون على قدر عال من المسؤولية وألا يترك أي ثغرات يمكن أن تسيء إلى الثورة وتخدم الثورة المضادة 

لا يختلف اثنان على إنجازات الحراك في التحرير فالحكومة والمجلس العسكري أبديا استجابة ما لجزء من المطالب، وهو ما يجعل النشطاء يدركون بأن الثورة لا تحقق مطالبها إلا إذا بقيت حية ذات صوت وصدى على يد الآلاف أو عشرات الآلاف أو مئات الآلاف.  وهي رسالة ذات أهمية كبرى بالنسبة للوطن العربي أيضاً

لكن يجب أن يعوا إلى أن الكثير من المصريين ملوا مسألة الاعتصام والتظاهر اعتقاداً منهم أن التظاهر هو ما يؤخر عودة البلاد إلى مجراها الطبيعي على المستوى الإنتاجي والاقتصادي. هم لا يدركون أن ما ملوا منه هو الحالة الراهنة التي لا هي عهد مبارك ولا هي عهد جديد

كما أن عامة المصريين حتى الآن لا يفرقون كما يفعل بعض النشطاء بين المجلس العسكري والجيش. الجيش يتمتع بقدسية كبرى في أذهان المصريين، لذا فإن المواطن العادي يخشى أي مواجهة مع الجيش خاصة أنه يجهل تماماً البديل عن الجيش ويخشى الفراغ. بينما توصلت فئة من النشطاء إلى قناعة بأن المجلس العسكري ليس سوى استمرار لعهد مبارك وأن النظام البائد لم يزل

هي أيام صعبة في مصر الثورة تنذر بأن المشوار طويل جداً وأن إسقاط مبارك كان فقط البداية لمسيرة مفتوحة نحو مستقبل غير معروف المعالم ... بعد

5 comments:

جواهر بنت محمد بن عبد الرحمن آل ثاني said...

المصريون يريدون كتابة تاريخ جديد,من ذهب,كعادتهم. يريدون النحت على حدائق الدهر و تربية قطيع عاش منذ الآلاف الأزمنة. اليوم,المصريون فهموا المعادلة و معاني الحرية و العرق. المصريون,اليوم,يرفضون أنصاف الحلول و بقايا النظام الملتصقة على جثث شهدائهم. و لذلك نرى كل الفئات في التحرير أغلبية مترابطة و متكاتفة مهما كانت خلفيتها. و الأهم الآن هو التركيز على تحقيق المطالب. و هم على ذلك الطريق.
شكراً لك.


@2althani

Zeinab Hataba said...

ديما انا بنت مصريه و برضو شمت البرفان بتاعى بليز متزعليش من حاجه زى دى
انا كنت واقفه قبل كده فى لجنة تفتبش وشوفت كتير من الناس بتعترض على التفتيش
جو التوجس بس هو اللى بيخلى الشباب يعمل كده
سورى لو كان ده ضايقك بس كلنا اتعرضناله مش بس علشان انتى مش مصريه
مع اننا بنعتبرك مصريه :)

Anonymous said...

الناس اللي ضد المجلس العسكري ليست ضد وجوده انما ضد فكرة تامل المحلس مع الشعب كما يتعامل مع جنوده

Mitkanti said...

greetings Dima,
I share your thoughts regarding the futures of the "revolutions" in the Arab world!
I truly believe that no matter what the cost is, removing those tyrants from power is the relatively easier part! the hard part is going to be if we are wise enough to reflect on what has gone wrong, admit to our mistakes, learn from that and move on as a people with a COMMON purpose and a collective responsible attitude!
I believe that if we project the blame on just those at the top of the rotten pyramid then we would fail ourselves in that WE ALL SHARE THE RESPONSIBILITY OF SUCCESS AND FAILURE! we need to act as god intended, humans with free will yet common just purpose, rather than ostriches!
finally, as is said, S/he has the right to criticize who has the heart to care! and sure enough u do care!

king regards,
mitkanti (libyan)

Anonymous said...

تحياتي على الوصف الدقيق.
وأعرض المساعدة في دخول الميدان بدون مضايقات وايصالك بمسئولين عن تامين الميدان إذا كانت لديك الرغبة

في انتظار الرد