17 Jul 2015

بمناسبة العيد



كن سعيداً حتى تُسْعِدَ من تحب .. فأنت لا يمكن أن تسعدهم بتعاستك

حاول أن تخرج من العلبة التي تعيش فيها منذ أن قيل لك إنها علبتك، وإنه لا علبة سواها لك، اخرج منها وجرب أن تفعل ما تشاء أنت وليس ما هو متاح لك في علبة جاهزة. افعل ما تريده أنت حقاً، ابحث في أعماقك واكتشف منابع سعادتك، ربما تجد نكهات جديدة لم تكن تعرفها للسعادة كما تحبها أنت. ولا تقارن بين ما يسعدك ويسعد الآخرين، لأن كلاً منا فريد من نوعه، ومعاييره تختلف عن معايير الآخرين. احتفل بالعيد مع نفسك أولاً قبل غيرك، احتفل بإنتاج لحظات سعادتك

أين وكيف تنتج سعادتك؟

أنتجْ لحظات سعادتك بنفسك في مصانعك وليس في مصانع الآخرين. لا أحد سينتج سعادتك لك. الآخرون يرفدونها بمكملات، يرسمون ابتسامات، يضفون لمسات، لكن سعادتك الجوهرية تبقى منك وإليك، أولاً وآخراً

الاتكالية على الآخر لإنتاج سعادتك وللحفاظ عليها ستضع الآخر تحت ضغط شديد. وفي أغلب الحالات ستؤدي إلى فقدان التوازن وانهيار السعادة. فلا تعتمد على الآخرين في توفير شروط السعادة لك، بل اخلقها أنت

السعادة فكرة والعيد فرحة

 حاول أن توازن بين ما يبعث في نفسك الفرحة وبين ما يبعث في نفوس الآخرين الفرحة. امنح نفسك شيئاً من الفرحة وامنح الآخرين شيئاً من الفرحة. ابحث عن أفكار تسعدك وطبقها. كونك سعيداً سيسهل عليك مهمة إسعاد غيرك

أنا في العيد سأفعل ما أحب: القراءة
فالكتب هي الأخرى تستحق أن تحتفل. لقد صامت أسابيع وأشهراً، تنتظر أن ألتقطها من رمضانها

وسأفعل كذلك ما يحبه الآخرون (وأحبه أيضاً): أنشطة وزيارات اجتماعية

لن أضحي بأي منهما على حساب الآخر


كل عيد وأنتم سعداء



4 Jun 2015

ذكريات صينية



تعود إلي في هذا التاريخ ذكريات تغطية الرابع من يونيو في الصين حين كنت أعمل مراسلة للجزيرة من هناك. كانت هونغ كونغ - وما زالت - المكان الوحيد في الصين كلها الذي يسمح فيه بإحياء ذكرى أحداث ميدان تيان آن من الشهيرة. أذكر أنني تسللت كزائرة عادية إلى ميدان تيان آن من في بكين يوم ٤ يونيو في إحدى السنوات التي أقمت فيها هناك، متظاهرة أنني أصور المكان كسائحة عابرة لكني طبعاً كنت أبحث، والمصور معي لكن بشكل منفصل، عن أي مشهد يعبر عن الذكرى، أي شخص يظهر ومعه لائحة ما أو صورة ما أو حتى يقول شيئاً ما. لكني لم ألتقط سوى صور جامدة متجمدة للجنود الذين يحرسون الميدان يومها كتماثيل نحاسية صلبة. كان الميدان مغلقاً. وسرعان ما جاءني من يطلب مني هويتي: ممنوع التصوير

天安门
تيان آن من بالصينية معناها بوابة السلام السماوي، وهي إحدى بوابات ما يعرف بـ "المدينة المحظورة" في بكين. بنيت أثناء حكم سلالة مينغ ( عام ١٤٢٠ ميلادي). لكن الأحداث التي أشير إليها هي أحداث سياسية وقعت عام ١٩٨٩ حين قمعت السلطات الصينية بالدبابات والرشاشات مظاهرات قادها طلبة ينادون بالديمقراطية. بعضكم قد يذكر صور القمع تلك وصور الطلبة أمام الدبابات في الميدان الشهير

في عام آخر غطيت ٤ يونيو من هونغ كونغ. وخرج الناس وقتها بالشموع يحيون الذكرى ويحملون صور القمع وصور ضحاياه. تخيلت لو أن كل الصين كانت مثل هونغ كونغ، ولو أنه سمح للناس بالخروج مثلما يسمح لسكان هونغ كونغ، ماذا كان سيحصل؟

20 May 2015

مارولا


إلى صديقة العمر الغالية والصامدة ماريا

وتضحك مارولا
هو ينشر الخبث
وهي تنشر البهجة

متى تبكي ملكة الموساكا؟
قديسة أم ملاك أم آلهة إغريقية؟
لا تركع ولا تشكو تلك المارولا

انتزعوا منها الثديين
ثم انتزعوا الرحم
وحتى المبيضين

تقول: لم أعد أنثى
ولست ذكراً
وتضحك: ما أنا؟ هل أنا أنا؟

هي مارولا
حية تبقى
ثم مزيد من الأشعة

وتتعب مارولا
الكورتيزون يشكلها بدراً
تتوسطه شمسُ بسمةٍ أبية

الكل يقول مارولا بخير
ومارولا بالكاد تقوى
لا دموع أمام البنتِ والولدين

ستعيش مارولا، وستحيا أنثى
رغم أنف المبيضين والرحم والثديين
ستعيش بقلبٍ وروحٍ وحدها تملكهما مارولا

16 Apr 2015

Je tu + Voyage أنا أنت + سفر

فرح وديمة على القناة الفرنسية الخامسة من باريس

Farah et Dima sur TV5Monde


3 Feb 2015

الحب في زمن "واتساب" و ...أخواتها

نشرت المقالة في القدس العربي

متى كانت آخر مرة ملأتَ بها قلم الحبر بحبر تفوح رائحته ويترك على أصابعك آثاراً سوداء أو بنية، وسحبتَ ورقة من دفتر وكتبت عليها رسالة حب؟إن كنت من شباب هذه الأيام فأكاد أجزم أنك تظن أنني آتية من مجرة أخرى، لأنني أحدثك عن وسائل قد تبدو لك «بدائية» للتواصل مع حبيب أو حبيبة.وإن كنت من جيل عرف متعة القلم والحبر والورق والمغلف (الظرف) ولحظة إغلاقه بالصمغ ولحظة فتحه، فأنت إما تحنّ إلى تلك الأيام لكنك كسول وليس لديك وقت – طبعاً – وإما تظن أنني «دقة قديمة» أبحث عن مضيعة للوقت. أما إن كنت ممن يمارسون حتى اليوم هذا النوع من التواصل مع من تحب، فأنت رومانسي غير عادي، يعرف طعم الحب ببطء، وحرقة الصبر، ولوعة الأمل، ولهفة الانتظار

كم كنت أود أن أعرف كم من قراء سطوري هذه يقع ضمن خانة الرومانسيين في زمن أصبحت الرومانسية فيه لدى البعض جملة كتبها أحدهم (لا يهم من) تبحث عنها في أقل من ثلاثين ثانية في موقع إلكتروني ما وتنسخها، من دون حتى أن تتمعن فيها، لتلصقها على هاتفك، فتصل الحبيب خلال ثانية أو ثانيتين، وتنتظر الجواب خلال خمس ثوان، وإلا فقد تفقد صبرك


حب الشاشات

هو زمن أصبحت فيه إحدى وسائل التعبير عن غضبك من الحبيب هي إلغاء متابعته على تويتر، أو إخراجه من دائرة الأصدقاء على فيسبوك، أو حجبه على واتساب، أو حتى تغيير طبيعة العلاقة التي تختار أن تضعها على فيسبوك، كي تصدمه وتحرجه أمام آل فيسبوك أجمعين. أين أيام الدموع على قارعة الطريق أو في مقهى بسيط، أو حتى عند موقف الحافلة أو القطار؟

هو زمن أصبحت ترى فيه الناس تضحك للشاشات وتخجل أمام الشاشات، وتبكي أمام الشاشات، وكأن الحبيب هو ذلك الهاتف أو ذلك الحاسوب.هو زمن أصبح الإنسان لا يشعر فيه أحياناً بالحاجة للخروج أساساً للقاء الحبيب، فالحبيب موجود صوتاً وصورة (جامدة أو متحركة) في هاتفه النقال «الذكي» الذي يمكن أن يعمل أيضاً كأداة تجسس على كل تحركاته. يخبرك أي ساعة دخل فيسبوك ويخبرك متى كان في آخر اتصال على واتساب، ويمكن أن ينبهك إلى كل ما يكتب على تويتر بشكل أوتوماتيكي، ويمكن أن تراقب تحركاته على أنستغرام وسكايب وكيك وفيسبوك، وحتى بإمكانك أن ترى أي صور تعجبه أو كلام يعلق عليه أو تفاعل له أو تفاعل الآخرين معه. وإن لم يرد عليك أو لم يسلم في كل دخول وخروج، يا ويله

 هو زمن أصبحت بعض علاقات الحب فيه تبدأ وتنتهي بسرعة الانترنت، فيلتقيان على تويتر، ثم ينتقلان إلى فيسبوك، ومنه إلى واتساب، وربما تتطور العلاقة لتصل إلى سكايب، وقبل أن يلتقيا وجهاً لوجه يمكن أن تنتهي العلاقة أساساً، وقد يكون سبب انتهائها شجارات تتعلق بتكنولوجيا التواصل نفسها.طبعاً هناك حالات مغايرة لأشخاص يلتقون عبر الإنترنت وينتقلون إلى الواقع بشكل ينتهي بعلاقة ناجحة تتكلل حتى بالزواج في بعض الحالات

في دراسة نشرتها مجلة علم النفس الافتراضي والسلوك* كانت حالة القلق الناجمة عن مراقبة الحبيب عبر واتساب أو عدم رده عندما يكون متصلاً أو عدم قرائته للرسائل عندما يكون متصلاً، أو الغيرة من تفاعله مع آخرين على واتساب المسبب الرئيسي في إنهاء 28 مليون علاقة حب في العالم. تخيلوا


انتظار فانتظار

كم كانت جميلة تلك الأيام التي كان فيها غموض. كنا نتواعد فيها من أجل اتصال هاتفي في ساعة معينة، إلى المنزل، ربما مرة في اليوم، أو حتى مرة واحدة في الأسبوع. نعم أقصد الهاتف الأرضي. فتمر الأيام والساعات كلها في انتظار ذلك الموعد الذي لن يأتي سوى بصوت الحبيب وبكلمتين جميلتين تُغنيان عن الدنيا وما فيها وتبقيان معك حتى الموعد المقبل

وكم كان القلب يدق كل يوم وهو ينتظر، ويشعر بأنه سيتوقف من شدة الحماسة عندما تفتح اليد صندوق البريد بحثاً عن رسالة من حبيب، فيحزن إن لم يجدها، ويقضي النهار بطوله منتظراً طلوع النهار الآتي من أجل فرصة جديدة، ثم حين تصل الرسالة تفتحها اليدان وكأنها كنز من كنوز الدنيا، ثم ترد عليها بالأنامل بعد طول تفكير، وتترك على صمغها شيئاً من لعاب عاشق، ويضمها الصدر قبل أن تضع اليد عليها طابعاً بريدياً حقيقياً يمكن اختياره جميلاً، وتخط الاسم والعنوان فتظهر على الأحرف اللهفة، وترميها للزمان وللقدر كي يوصلها المكان المنشود. وينتظر القلب، ببطء

الآن ترانا أحياناً نتهرب من حبيب يظهر في كل مكان على كل الشاشات في كل الأوقات. رسائله تتطاردنا من شاشة إلى شاشة: هاتف التفاحة المقضومة (أيفون)، وهاتف التوت الأسود (بلاكبيري)، ولوح التفاحة المقضومة (أيباد)، والحاسوب، وهواتف المجرة (غالاكسي) وغيرها. ريثما يأتي منه اتصال هاتفي يكون عندنا إشباع منه. وعم سيحدثنا ما دمنا نتشارك معه في كل شيء يقوم به عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ونراه بالفيديو كل حين وآخر؟ وريثما يحين موعد اللقاء وجهاً لوجه نجد أنفسنا نتحدث عن تلك الأشياء نفسها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وقد يلتصق كل منا بهاتفه الذكي.والأفظع هو أن تلك الأشياء الذكية تجعل الحبيب يظهر في الصور حتى أحلى من الطبيعة لأن الكاميرا فائقة، ومع وجود التنافس الحاد يجب أن نحسن من جودة التصوير، ثم نعدل الألوان والإضاءة ونضيف المؤثرات قبل إرسال الصورة. فعندما نراه يبدو لنا شاحباً، أقل وسامة مما هو على شاشاتنا.وقد نجد الكثيرين ينتقمون من الحبيب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فيكتبون كلاماً موجهاً أو مقصوداً له على صفحاتهم كي يقرأه هو، أو يكيدونه بتصرفات معينة على صفحاتهم

تلك الهواتف الذكية هي وسيلة تواصل رائعة، في الحب كما في أشياء أخرى، وفي أحيان كثيرة إن استخدمت بشكل حكيم ومعتدل فيمكن أن تقرب المسافات وتسهل العلاقات وتحافظ على علاقات حب ما كان لها أن تستمر لولاها 


الحب البطيء السريع

لذا لن أقول لكم أن ترموا تلك الأجهزة، لكن تذوقوا الحب البطيء، مرة، وإن أعجبكم جربوا المزاوجة بين البطيء والسريع، الغامض والمكشوف، الهاتف والورق .. التصقوا بعيني الحبيب بدلاً من البلاستيك الذكي والمعدن الذكي .. وتعرفوا على لهفة اللقاء، اللقاء الحقيقي .. وجربوا قلم الحبر عله يترك على أصابعكم بصمات حب جميلة وتنتهي تلك الورقة في مكان لا يصل إليه أي «هاكر» ولا يمسحه أي برنامج ولا يلغيه أي تطبيق. ولن أتجاوز حدودي وأطلب منكم أن تضعوها في مغلف تختارونه بعناية في مكتبة حقيقية وليست إلكترونية – معاذ الله – أو أن ترسلوها عبر البريد «البطيء» وتنتظروا أن يصلكم الرد.. بل سأكتفي بفكرة إعطاء الحبيب تلك الورقة باليد، ببطء، أو تركها له، بحيث تحتفظون بالكلام من لحظة كتابته للحظة وصولها إليه، حتى لو ناداكم واتساب يحاول إغراءكم كي تكتبوا ما لديكم بأقصى سرعة.الأهم في الموضوع هو ألا ورقة ستشبه تلك الورقة الفريدة في أي قصة حب أخرى في أي مكان في العالم أو في التاريخ، ولا حتى في أي من المواقع والتطبيقات والبرامج الموجودة على أشيائكم فائقة السرعة والذكاء

الحب عندما يتربى حصرياً في أكناف واتساب وسكايب وتويتر وفيسبوك والهواتف والحواسيب والألواح هو قطار سريع لا يتوقف بين المدن، لا يعرف عبق الريف ولا سكونه، ولا يقطف الثمر من الشجر ولا الورد من الحديقة، ولا ينتظر القمر ولا يشعر بالمطر، بل يصل وجهته الأخيرة وكأنها المحطة الوحيدة، مع أن ثمة محطات كثيرة صغيرة قد لا تكون أجمل بالضرورة من المحطة المنشودة، لكنها ستجعل الوصول إليها بحد ذاته رحلة جميلة وستملأ الحقائب السريعة بأشياء بطيئة تبقيك مدة أطول بمتعة أكبر في الوجهة الأخيرة


*CyberPsychology and Behaviour Journal 

29 Jan 2015

حذار… سأحدثك بالعربية!


نشرت المقالة في القدس العربي

في رحلة على متن خطوط جوية عربية بين مدينتين عربيتين جاءتني مضيفة تتحدث معي بانكليزية بشعة. فأجبتها بالعربية وسألتها لماذا لا تحدثيني بالعربية. فضحكت وواصلت نصف كلامها بالانكليزية: عايزة شيكن ولا بيف؟ فاعتذرتُ منها وأكدت لها أنني لا أفهم أي كلمة انكليزية وأن عليها أن تحدثني بالعربية فقط كي أفهم. فارتبكت وبالكاد عثرت على الترجمة: دجاج أم لحم؟ عادت بعد قليل تحدثني مجدداً بانكليزيتها الفقيرة. عندها ثار غضبي وقررت أنني سأحدثها بالفصحى. أصيبت فعلاً بالدهشة، وصارت تنظر إليّ باستغراب وتسألني وهي تتكلم ببطء: من أين أنتِ؟ قلت: أنا عربية طبعاً. فقالت: فكرتك أجنبية لأن عربيتك تقريباً فصحى

ذهلت طبعاً. في رأس تلك المضيفة التحدث بالانكليزية يعني أنني عربية، والتحدث بالعربية العامية مئة في المئة غير ممكن، والتحدث بالفصحى يعني أنني أجنبية

أعترف بأنني – في الماضي – مع اهتمامي الشديد باللغات الأجنبية منذ
 الصبا، كنت قد انخرطت أنا أيضاً في عادة خلط اللغات الأجنبية بالعامية العربية، خاصة الانكليزية والفرنسية، مع الأصدقاء والأقارب. كان ذلك يشعرنا بأننا «مثقفون» و»نخبة» وأكثر اطلاعاً و»حضارة» من غيرنا من فئات المجتمع. عقدةُ نقصٍ بلا شك. لكن تلك العادة أصبحت تسبب لي أزمة حقيقية اليوم في التواصل مع الناس في الوطن العربي، بعد أن فاق الغزو اللغوي الصارخ للمحادثات اليومية العربية أي حد مقبول. وكم من صديقة وصديق قضيتُ معه أو معها الغداء أو العشاء بطوله أتحدث أنا بالعربية فحسب، ويأتيني الجواب إما بالانكليزية مئة في المئة أو بالانكليزية مخلوطة بكلمات أو أجزاء جمل بالعربية، وكأننا نتجاهل بعضنا بعضا لغوياً


الفصحى والعامية


عندما كنت طفلة كان والدي الناقد الأدبي د. حسام الخطيب يجبرنا على التحدث باللغة العربية الفصحى حرصاً منه على تعلمنا اللغة العربية بشكل عفوي. والأمر نفسه ينطبق على من يزورنا أو يتصل بنا، إذ كان جميع أصدقائي يخشون أن يجيب والدي على الهاتف بالفصحى فيرتبكون ولا يعرفون كيف يجيبون، ويخشون القدوم إلى المنزل، حيث يمكن أن يحدثهم بالفصحى، فيصابون بالجمود. إن كان والدي قد صمد وقتها بالفصحى، فسأصمد اليوم بالعربية، فصحى كانت أم عامية. فللهجات استخداماتها وللفصحى استخداماتها، ولا ينبغي أن تطغى واحدة على الأخرى، ولا أن تلغي واحدة الأخرى. أحب كل اللهجات العربية وأسعى لدراستها وتعلمها قدر الإمكان فهي مثرية وممتعة، وأعشق الفصحى أيضاً، لذا قررت أنني لن أحدث العرب باللغة الانكليزية مهما كان الشخص غالياً على قلبي، ومهما طال الحديث ومهما كثر عدد الموجودين العرب المتحدثين بالانكليزية. ولن أرد كتابياً بالعربيزي، تلك اللغة العجيبة التي يستخدمها البعض للتواصل بالعامية لكن بأحرف لاتينية، التي كانت مبررة حين كانت الأجهزة الالكترونية ليس فيها خيار إدخال العربية. لكنها اليوم كلها تقبل الأحرف العربية.
شيئاً فشيئاً أجد نفسي أتحول إلى متعصبة، لا تقبل أي كلمة انكليزية دخيلة في الجملة العربية، وتصحح للآخرين وتحرجهم بشكل فظ أحياناً، لدرجة أن البعض أصبح يتوجس من لقائي أو الكتابة إليّ خشية أن أدقق عليه بخصوص التحدث بالعربية، وأقصد بها العامية وليس الفصحى


لغة عربية موازية في الخليج


ولعل ما يزيد من تعصبي هو ظاهرة اللغة العربية الموازية المنتشرة في بلدان الخليج، التي اخترعها العمال الأجانب من آسيا. أحياناً أسمعهم يتحدثون فيما بينهم وأدرك بالكاد أنهم يتحدثون العربية، حين ألتقط بعض الكلمات العربية المبعثرة. أيظنون حقاً أن ما يتحدثون به هو العربية؟ لا بأس، هم أحرار فيما بينهم، فليتحدثوا كما يريدون، المهم أن يتفاهموا. لكن ما لا أفهمه هو كيف يتبنى العرب أنفسهم تلك اللغة الغريبة يتواصلون معهم بها؟! هل سمعتم في حياتكم أن شخصاً في بلده يتحدث مع الأجانب بلغته الأم على طريقة الأجنبي الركيكة؟ حتى لو حدثك الأجنبي بلغة ركيكة فما عليك سوى أن ترد عليه بلغتك كما تتحدثها بشكل طبيعي وسليم، وهو سيتأقلم ويتعلم، بدلاً من أن تقوم أنت بتلك المهمة، في بلدك وبلغتك. ولو تحدث الجميع مع الأجانب بلغة عربية عادية فسيتعلمون. لن يكون أمامهم خيار. عندما طبقت قاعدتي الجديدة على العمال الأجانب في الخليج وأجبت أحد سائقي التاكسي بلغة عربية سليمة بدلًاً من لغته العجيبة، لم يكن منه سوى أن زمجر في وجهي: إنْتَ نـَفـَرْ ما في مـَعْلومْ عربي! والترجمة هي: أنتِ شخصٌ لا يعرف العربية!

المفارقة هي أنه لا فرق بينه وبين تلك المضيفة العربية

‫لكن ليس ذنبهما وحدهما فالمشكلة ليست فردية بل جمعية، وتتطلب معالجتها جهوداً كبيرة على مستوى الدول والمؤسسات والمناهج التعليمية ووسائل الإعلام وغيرها، التي أتمنى منها أن تعي جسامة المشكلة قبل فوات الأوان. أما أنا فسأواجهها على مستوى فردي. من يرد عليّ بالانكليزية من العرب وأقول له صراحة إنني لا أفهم الانكليزية ويستمر بانكليزيته معي، لن أكلمه بعدها إلا بالفصحى… هذا عهد أقطعه على نفسي.. وليرتبك كما يشاء أو يكف عن محادثتي، كان من كان

فحذار أيها العرب، سأحدثكم بالعربية، وربما حتى بالفصحى

----


شرفني أن المقالة تصدرت قائمة المواضيع الأكثر قراءة على موقع القدس العربي طوال يوم نشرها



21 Jan 2015

أي نوع من الكُتّاب أنت؟


١- كاتب لديه أفكار جيدة وأسلوب لغوي جيد وقدرة على تنسيق الأفكار وعرضها 

٢- كاتب لديه أفكار جيدة وقدرة جيدة على تنسيق الأفكار وعرضها لكن ليس لديه أسلوب لغوي جيد 

٣- كاتب ليست لديه أفكار جيدة ولا قدرة جيدة على تنسيق الأفكار وعرضها لكن لديه أسلوب لغوي جيد

٤- كاتب ليست لديه أفكار جيدة ولا أسلوب لغوي جيد ولا قدرة على تنسيق الأفكار وعرضها 


النوع الأول: طبعاً رائع

النوع الثاني: يمكن مساعدته لتحسين الكتابة من الناحية اللغوية. نحن نحتاج في العالم العربي حاجة ماسة إلى العقول أصحاب الأفكار وخاصة إلى من لديهم فكر نقدي، وكثير منهم درسوا في الخارج، وقد تكون لغتهم العربية ركيكة، ومنهم علماء أو أشخاص تخصصاتهم فنية تقنية لا علاقة لها بالكتابة. لكن لديهم رسالة ولديهم أفكار بناءة يمكن أن تساعدنا في فهم أمور لا نفهمها. وليس بالضرورة أن يكتبوا لعامة الناس ككل، بل قد تكون كتاباتهم موجهة بشكل خاص لنخبة تساهم في صنع القرار ووضع السياسات

النوع الثالث: لا أعرف ما المغزى من كتابة هؤلاء؟ ماكياج لغوي مثلاً؟ فليساعدوا النوع الثاني، أفضل للجميع

النوع الرابع: لا فائدة منهم، ومع الأسف منتشرون في كل مكان وينبغي استئصالهم ! ربما لو ازدادت نسبة النوعين الأول والثاني تضاءل انتشار النوع الرابع


لا تخافوا من الكتابة إن كانت لديكم أفكار، لدينا نقص فكري رهيب، ومن نسميها "نخبتنا" تحتاج إلى كثير من التجديد والاستبدال .. اللغة ليست عدوكم بل هي وسيلة في أيديكم كي تعبروا عن أفكاركم. اطلبوا المساعدة واكتبوا، وأتحفونا. افتحوا مدونات، انشروا على الانترنت، راسلوا الصحف. دعونا نتعلم منكم، ودعونا نتخلص من كتاب النوع الرابع


شكر خاص إلى الدكتور خالد مصطفى الذي ألهمني لأكتب هذه التدوينة