28 Nov 2012

عودة إلى التحرير



هتاف
الشعب يريد إسقاط النظام
ارحل ارحل

أعود إلى مصر بعد طول غياب لأجد التحرير يردد نفس الشعارات. شعاراتُ ثورة الخامس والعشرين من يناير كانت تصدح من ساحة طلعت حرب في مسيرة من المسيرات الكثيرة التي كانت تتجه إلى الميدان. لكن أي "نظام" يريدون إسقاطه؟ ومن الذي عليه أن "يرحل"؟ ألم يرحل مبارك، وثم رحل بعده طنطاوي؟

هتاف
يسقط يسقط حكم المرشد

مع وصولي إلى الميدان فهمت بأن المتجمعين في الميدان في السابع والعشرين من نوفمبر ٢٠١٢، بعد قرابة عامين من انطلاق الثورة، يقصدون بـ "النظام" نظام الإخوان المسلمين الذين طالما رددوا أنهم لا يطمعون بالسلطة .. لكن حصل عكس ذلك مع مرور الأيام

هتاف
الميدان مليان من غير الإخوان

مع تدفق المزيد من المسيرات من أنحاء المدينة وازدياد الأعداد في الميدان وحلول الليل، بدت الحماسة على وجوه الموجودين وكأنهم يقولون: نحن بالفعل موجودون، وليس "هم" فقط

عندما غادرتُ مصر المرة الماضية قبل وصول محمد مرسي إلى سدة الرئاسة كان "هُمْ" بالنسبة لأهل الميدان يعني المجلس العسكري. أما اليوم فـ "هُمْ" يعني لأهل الميدان الإخوان المسلمين ومن يؤيدونهم من أبناء الشعب المصري

لافتة
ضد الديكتاتور أياً ما كان

السبب الرئيس الذي دفع المتظاهرين إلى اللجوء إلى الميدان - بدعم من حركات وأحزاب سياسية معارضة كثيرة تمتد من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار في توجهاتها السياسية - هو الإعلان الدستوري المكمل الذي منح محمد مرسي بموجبه نفسه صلاحيات واسعة لم يكن يحظى بها حتى مبارك. وطبعاً مرسي قام بذلك باسم ثورة الخامس والعشرين من يناير. ويبرر مؤيدوه والمحاديون الخطوة على أساس أنها مؤقتة والهدف منها هو مواجهة مخططات النظام السابق للإطاحة بمرسي عن كرسي الحكم بعد أن انتخبه الشعب المصري



هتاف
يا شهيد نام وارتاح إحنا نكمل الكفاح

لكن الموجودين في الميدان مقتنعون بأن معارضة مرسي هي استكمال لثورة الخامس والعشرين من يناير وكثيرون يشعرون بواجب التضحية كي لا يغضب عليهم الشهداء الذين ماتوا من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية. ويذهب سخط البعض إلى درجة القول إنهم يرون مرسي أسوأ من مبارك ويشعرون بأن تحذيرات مبارك من الإخوان، فزاعته المعتادة، كانت في محلها. بينما قال لي آخرون إنهم لا يتفقون مع شعارات “ارحل” و”إسقاط النظام” لأن مرسي منتخب وعليه أن يكمل فترته الرئاسية لكنهم لن يسمحوا له بـ "التطاول" ولا بفرض ديكتاتورية جديدة

غرافيتي
من أسود الحرية إلى كلاب الداخلية
أحا يا مرسي

كنت في آخر زيارة قد وقفت عند الجدران الأمنية في نفس البقعة. لكن تلك الجدران التي عرفتها حطمها المتظاهرون لتعيد وزارة الداخلية بناء جدران جديدة في نفس المكان تماماً عند قصر العيني ومحمد محمود، خلال وجودي في القاهرة. فمنذ أكثر من أسبوع تستمر الاشتباكات والمناوشات بين شبان متظاهرين ورجال الأمن، في ما أصبح يعرف لدى سكان المنطقة بمثلث الرعب، في محيط ميدان التحرير (محمد محمود، سيمون بوليفار، قصر العيني، منطقة السفارة الأمريكية) حيث وصف لي أحد العائدين من هناك بأن ثمة ساحة حرب حقيقية أسلحتها الحجارة والمولوتوف من قبل الشبان والغاز والخرطوش من قبل رجال الأمن

خارج الميدان تتباين الآراء. هناك طبعاً المدافعون الشرسون عن مرسي وعن قراراته وإعلانه الدستوري المكمل وهم يهاجمون الثوار على أنهم مخربون يتحالفون مع الفلول في مؤامرة يرى البعض أن ثمة يداً خارجية فيها هدفها إضعاف مرسي بعد أن لعب دوراً إقليمياً جريئاً في أزمة غزة الأخيرة

وهناك المعتدلون أو الحياديون الذين لا يدعمون الإخوان المسلمين ولا مرسي شخصياً، لكنهم يتساءلون بسخط: أليس من الأجدر أن نعطي مرسي الوقت والفرصة قبل أن نعرقل عمله؟

وهناك من سئموا السياسة والثورة والاعتصامات والمسيرات والاشتباكات ويتمنون فقط أن يعود الأمان والاستقرار، وما عادت لديهم طاقة لمتابعة المعارك السياسية

لافتة
لا استحواذ ولا ديكتاتورية لا قرارات عشوائية

مع عودتي إلى الميدان من جديد في آخر الليل كان الناس ما زالوا يتدفقون عليه بينما يغادر آخرون، وكان بائعو المأكولات المتجولون منتشرين كعادتهم في أنحاء الميدان، وكان البعض يغني، والآخر يهتف من وقت لآخر، وكانت الخيم على "صينية" الدوار (وسطه) تزداد عدداً. صادفتُ وجوهاً "تحريرية" أصيلة أعرفها جيداً، وأخرى مألوفة. لكن كانت هناك وجوه مختلفة هذه المرة. سألتُ عن الوجوه الجديدة فقيل لي إنها لمنتمين إلى "حزب الكنبة". “أنا جيت أشوف الثورة وأتعرف عليها" قال أحدهم ممن لم يشاركوا قط في أي مظاهرة من قبل، لكنه تحرك هذه المرة. سألتُ: وهل هناك "فلول"؟  البعض أكد أنه تم طرد بعض "الفلول" بالفعل من الميدان. وهنا لغز من ألغاز الخلطة الجديدة في ميدان التحرير في إطار التحرك الأخير ضد مرسي، لأن معاداة مرسي يتشارك فيها خصمان لدودان: جزء من الثوار - أعداء نظام مبارك - والفلول - مؤيدو نظام مبارك


في كل المرات السابقة التي أتيت فيها إلى الميدان في زياراتي السابقة لمصر كانت ما تعرف باللجان الشعبية تقف على مداخل الميدان لتتأكد من هويات من يدخلون لتجنب تسلل أي "طرف ثالث" أو مخربين أو فلول. لكن لم تصادفني أي لجنة شعبية تفتش أحداً في دخولي وخروجي المتكررين للميدان في النهار وفي الليل. وأذكر جيداً أنني في مرات سابقة كنت قد شعرت بالقلق مع وجود أشخاص لا يوحون بالأمان في الميدان، لكني لم أشعر بذلك هذه المرة رغم تحذيرات الكثيرين لي من خطر التوجه إلى الميدان بسبب الفلول وبسبب إمكانية اتهامي بأني مندسة أجنبية

لقد مر يوم السابع والعشرين من نوفمبر على خير، ولم يتحول ميدان التحرير إلى ساحة معركة وجهاً لوجه بين مؤيدي ومعارضي مرسي بعد أن تم التراجع عن الدعوة إلى مظاهرات مؤيدة لمرسي موازية للمظاهرات المعارضة. لكن ذلك لا يعني أن مثل هذه المواجهة لن تحصل في المستقبل بعد أن بات من الواضح أن الاستقطاب الحالي يحول الثورة نفسها إلى ساحة معركة دائمة. فكلا الطرفين يقوم بكل ما يقوم به باسم الثورة ودفاعاً عنها. ويأتي إصرار معارضي مرسي على ضرورة الاعتصام في الميدان كمحاولة واضحة لإبقاء ميدان التحرير في أيديهم، أي في أيدي المعارضة. لأن التحرير هو أرض الثورة، وصاحب تلك الأرض هو صاحب الثورة.. حتى إشعار آخر. وطالما هم ليسوا في السلطة أو لا يطمعون بها، فإن ثورة الميادين هي مكانهم الأمثل

  

25 Nov 2012

مغامرات في الإمارات : أوبرا شهاب



هل ترافقينا إلى الأوبرا؟
أوبرا في أي بلد؟
هنا في أبو ظبي

فوراً قلت نعم. لم أكن أتصور أن هناك أوبرا في أبو ظبي

كانت ثاني زيارة لي إلى قصر الإمارات، أكبر فندق في الإمارات. لا يبدو بالتأكيد من بعيد كفندق، بل كقصر، كما يدل اسمه. وكل شيء فيه مرصع بالذهب أو مطلي بماء الذهب الذي يلمع من كل حدب وصوب وتنعكس لمعته على الرخام الذي يلمع هو الآخر. يخيل للإنسان فعلاً أن كل شيء في المكان أبيض وأصفر

داخل القصر هناك آلة تصرف سبائك من الذهب الصرف. ما عليك سوى استخدام بطاقتك المصرفية واختيار حجم وسعر السبيكة التي تريد. أسعارها تتفاوت بين ١٠٠ و٤٠٠ دولار تقريباً. هل هناك فعلاً من يستخدمها لشراء سبائك الذهب؟ لا بد أن أحداً يستخدمها وإلا لما كانت موجودة

كل شيء في قصر الإمارات كبير وواسع وممتد. تمشي وتشعر بأنك في مكان لا نهاية له، أكبر من وجودك بكثير

البهو الذي يوصلك إلى القاعة حيث حفل الأوبرا كان متروساً على اليمين واليسار بشجر النخيل، كل شجرة موضوعة في حوض كبير فيه تراب. بدا لي أنه نخيل حقيقي، وأظن أنه فعلاً حقيقي. كانت أول مرة أرى فيها نخيلاً داخل قاعة مغلقة

أثناء دخول قاعة حفل الأوبرا يرى الإنسان من الوجوه ما يكفي لتغطية خارطة العالم. ويسمع لغات من شتى أنحاء العالم. سمعت الهولندية والإيطالية والفرنسية والانكليزية بعدة لكنات من عدة بلدان ناطقة بالانكليزية وبلكنات أجنبية. لكني صراحة لم أسمع العربية مع أنني لمحت العروبة في بعض السماه

مع أنه لم يمض على إقامتي في أبو ظبي سوى وقت قصير إلا أنني صادفت أشخاصاً أعرفهم. الكل يقول إن أبو ظبي تبقى صغيرة، تلقى فيها من تعرفهم في كل مكان

كان غريباً علي بعد أن عرفت الأوبرا في مسقط رأسها، أوروبا، أن أرى الناس
يرتدون ملابس تفاوتت بين ملابس السهرة وملابس تناسب رحلة سفاري، لكني لم أمانع. فأنا لم أكن يوماً أشعر بارتياح لتكلف الناس وأدائهم أدواراً في تمثيلية الأناقة والرقي من خلال ملابسهم الفخمة في ليلة موسيقية، وكأن لباسهم يعني أنهم مثقفون ويفقهون في الموسيقى

كان هناك برود عجيب في الصالة، ربما لأنها كبيرة، عالية السقف، تلمع، ولم يكن حتى ثلثها ممتلئاً بالحضور، مع أن أصدقاء لي اتصلوا أمامي بقصر الإمارات وطلبوا شراء تذاكر الحضور الحفل وقيل لهم إنها قد بيعت كلها من زمن. أين أصحاب التذاكر؟ فعلاً مؤسف أن يأتي كل هؤلاء الفنانين من إيطاليا ولا يأتي الحضور

عادة ما يقرأ الإنسان نص قصة الأوبرا في كتيب يوزع على الحاضرين كي يفهم أحداث الأوبرا لأنها تغنى بالإيطالية بشكل لا يسمح بفهم كل الكلمات حتى لمن يتحدث الإيطالية. قرأت نص أوبرا ريغوليتو لفيردي مرتين، لكني لم أفهمه قراءة، فهل أفهمه شفاهية؟ تذكرت المرات التي تظاهرت فيها بأني أفهم الأوبرا التي أحضرها في أوروبا

الستائر تفتح ببطء شديد، ويحل صمت طويل، ونحن ننتظر انطلاق العرض. كنت أرغب في تبادل أطراف الحديث لكسر الصمت، لأنه أزعجني، لكني احترمت الانتظار البارد. طبعاً فيما بعد أدركت أن من بين الحضور من لا يحترم لا الصمت ولا الغناء لأن بعض الهواتف رنت، أثناء العرض الغنائي، والأفظع من ترك الهاتف النقال مفتوحاً في الأوبرا هو الرد على الاتصال

العرض لم يبهرني ككل ربما لأنه كان أوبرا في حفلة موسيقية
Opera in concierto
وليس مسرحية أوبرا كما أعرفها كلاسيكياً، بمعنى أن الموسيقيين كانوا يتوسطون خشبة المسرح وكانت الأهمية الأكبر لهم، بينما كانت هناك فقط أريكتان وطاولة لتمثيل المشاهد بين الممثلين على طرف من المسرح. وكان الممثلون، أي مغنو الأوبرا، أشخاصاً رشيقين، بعكس ما يتصور الإنسان في الأوبرا من نساء مكتنزات الصدور والأجساد ورجال لهم حضور جسدي بقوة حضور أصواتهم. لعلها صورة تقليلدية ونمطية لكنها صورة الأوبرا المنطبعة في ذهني. لم تكن الجودة الصوتية للقاعة مريحة جداً فكنت أسمع صدى الغناء يتردد في أرجائها، وتساءلت أحياناً كيف لجسد تلك المغنية النحيلة أن يخرج بأصوات ضخمة أكبر منها بكثير؟

كان المقهى الموجود وسط البهو الرئيسي لقصر الإمارات أفضل ملاذ من عرض الأوبرا. شهاب بدا لي نادلاً وسيماً، ابتسامته ساحرة على بشرة سمراء. من أين أنت؟ من بنغلادش، أجابني بخجل. استمتعت بسؤال شهاب عن قصة حياته. لقد ترك بلاده كي يعمل في الإمارت ويعيل أسرته لأن والده مريض ولم يعد لديهم دخل، وهو يرسل من الإمارات يغطي تكاليف دراسة أخته الجامعية التي لم يستطع دفعها لنفسه لأنه اضطر للبحث عن عمل فور إنهاء الثانوية. عندما وصل الإمارات لم يكن يتحدث الانكليزية، والآن بعد عدة سنوات وبلا دروس - كما يدعي - تعلم الانكليزية والهندية من خلال اختلاطه مع الناس. كان الحديث مع هذا الإنسان البسيط أكثر ما أعجبني في تلك السهرة، يدفئ قلبك وسط برود القاعات المزخرفة، ويشعرك بما يقبع في ثنايا ذلك الرخام الناصع البياض وذلك الذهب البراق، وتعود بك الحياة إلى أصل تلك الحكايات التي تستوحى منها قصص تتحول إلى أوبرا تقرأ في كتيب أنيق قبيل حفل موسيقي

أوبرا شهاب كانت عندي الليلة أحلى من أوبرا فيردي، وليسامحني الإيطاليون

-----

ملاحظة : سأضع الصور لاحقاً عندما تسنح الفرصة، فأنا حالياً في القاهرة ، حبيبتي ، ومشغولة بها


اقرأ مغامرتي الأولى في الإمارات : دبي - أبو ظبي

21 Nov 2012

ليست "التهمة" كل شيء ! - بقلم : جهاد عبد الله



أستضيف بين وريقاتي الكاتبة السعودية جهاد عبد الله في مقالة لها حول موضوع ليس من السهل أن تكون ضليعاً فيه. المقالة تأتي تفاعلاً مع حملة #مدونة_اعتقال التي يمكن أن تطلعوا على ما كتب عنها في الموقع الخاص بها

أترككم مع جهاد

----

ليست "التهمة" كل شيء !

مسألة الاعتقال التعسفي في السعودية والتي يدور حولها الكثير من الجدل، بعمومها تنقسم إلى قسمين:
الأول: اعتقال جنائي، يتعلق بشبه حول أعمال تتصل بالإرهاب، كانخراط أو تواصل أو دعم مع جهات مشبوهة
الثاني: اعتقال سياسي، يتعلق برأي في وسيلة اعلامية أو أي وسائل أخرى، كتابة مقال، ممارسة أي عمل سياسي يرفضه طغيان الدولة .. الخ
إن معظم الاعتراضات والحملات التي تسن رماحها على نشطاء حقوق الإنسان والمؤمنين بالإصلاح المهتمين بالشأن العام عمومًا، من الدولة متمثلة بمسؤوليها وصحافتها المنضوية تحت إدارتها بصحفييها وكّتابها، والمغرر بهم منها، تزعم أنهم يدعمون تنظيم القاعدة، وهي عار من الصحة، وكأنهم يريدون تغطية عين الشمس بغربال، وهم في كل هذا يذهبون لثلاث نتائج:

- محاولة التشريع والتطبيع للدولة وللرأي العام بحجم التهم، نحو منهجية الطغيان والفجور بحقوق الموقوفين بأي المسألتين
- دعم الدولة في تأثيرها على القضاء ومسار العدالة في قضايا الموقوفين، بتعبئة الرأي العام وحشده بالمغالطات
- التشويش على مسألة "الاعتقال السياسي" بمغالطة الرأي العام الماضية بالتهم الكبيرة بمسألة "الاعتقال الجنائي"

وبهذه النتائج الثلاث التي ينتهون إليها، يشرعون للدولة أحقية إسقاط حقوق الموقوفين بأي المسألتين من خلال حجم التهم وخطورتها، في ما يشبه بشرع الغاب، والتي تدعم بدورها الدولة في التأثير على القضاء ومسار العدالة في قضايا الموقوفين بتعبئة الرأي العام وحشده بالمغالطات، فلا يصبح الرأي العام مثلا مشغول بمدى تطبيق النظام والعدالة وتحققها على المستويين: التنفيذي - القضائي، بقدر إنشغاله في البحث بالتهم الموجهة للموقوفين من حيث البراءة والإدانة والتي هي في الأصل عمل قضائي بحت، لتكون هنا التهمة الحكومية في ما يشبه الإدانة الكافية بحد ذاتها دون الحاجة لحكم قضائي، مع كل التغطية على الانتهاكات في جهازها التنفيذي بتطبيق النظام في الضبط والتحقيق ومدة الإيقاف والوضع الإنساني للموقوف، ويصدر الحكم القضائي أخيرًا وهو ليس إلا تحصيل حاصل، وإن غابت عنه كل شروط العدالة، في العلنية وحق الدفاع بتوكيل محام والإستئناف
وكل هذا الانحراف الحكومي الخطير أفضل عامل ممكن مساعد للتشويش لاحقاً على مسألة "الاعتقال السياسي"، فيصبحون نشطاء حقوق الإنسان والمؤمنون بالإصلاح المهتمون بالشأن العام عموماً، عرضة للاعتقال بكل طمأنينة من الدولة وأجهزتها ومنع أصواتهم وكبتها عن التصريح بأخطائها، طمأنينة متواتية بحجم التهم التي أصبحت نقطة أول السطر في الأعمدة الصحفية ومانشيتات الصحف والوعي المجتمعي عموماً !

2
في البيان الأخير الذي صدر من وزارة الداخلية السعودية وتصريحاتها اللاحقة، تحاول و بكل قوة إختزال ملف المعتقلين بأكمله بما فيه من تفرعات، بمدى حجم التهم، والتشويش والخلط في المواضيع، كإيراد أسم محمد البجادي والشيخ وليد السناني، سليمان العلوان، عبد العزيز الوهيبي، خالد العمير، محمد الودعاني وغيرهم الكثير من أصحاب الرأي في سياق جنائي، وزعمها أن المعتقلين كافة يتمتعون بكافة حقوقهم الشرعية والنظامية والإنسانية والتي تشرف على تنفيذها هيئة التحقيق والادعاء العام وهيئة حقوق الإنسان والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، في الوقت الذي قد أصدرت فيه الجمعية الوطنية لحقوق الانسان بياناً ترصد به انتهاكات وملاحظات في السجون تحدث لهم وتطالب بتصحيحها، وهي جمعية حكومية تحت عباءة الدولة، بالإضافة على ما تورده بيانات أهالي المعتقلين وجمعية حسم على السواء وهما يذكران حالات عديدة من التعذيب والاعتقالات التعسفية التي تتجاهلها الداخلية، بل وتحاكم عليها د. عبدالله الحامد و د. محمد القحطاني، وكأنها وزارة مقدسة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، في الوقت الذي يمنع فيه أي نقد مباشر لهذه الوزارة أو حتى تعريضاً لا بالصحف الرسمية ولا بالقنوات الممولة بأموال سعودية، ثم تريد هذه الوزارة أن يتم تصديق كل ما تقول وتكذيب ما عداها.

3
التقرير* الصادر في مطلع هذا العام 2012 فبراير، للجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، بعنوان: عن أحوال سجون المباحث في السعودية، التي هي محط استشهاد في بيانها، والتي ذكرت نصًا في المحور الرابع من تقريرها آنف الذكر، وتحت عنوان: أوضاع السجناء. تذكر ما نصه:
أن بعد الزيارة والالتقاء بالعديد من النزلاء اتضح ما يلي:
1- هناك مجموعة من السجناء يمكن إطلاق سراحهم والاكتفاء بما أمضوه في السجن لزوال أي خطورة منهم على أمن المجتمع.
2- كما لوحظ وجود عدد من السجناء يقتضي الأمر سرعة عرضهم على الجهات القضائية لإصدار أحكام بحقهم ومن ثم يصار إلى تنفيذ ما يتقرر شرعاً.
3- وجود عدد كبير من السجناء يعانون من أمراض نفسية مما يتطلب وضع خطة للتعامل معهم.
4- إصابة العديد من النزلاء بأمراض مزمنة، وأمراض السمنة والسكر والضغط وألام الأسنان.
5- يشكو عدد من السجناء من قلة فترة الزيارات وفترات التشميس.
6- يشكو بعض السجناء من عدم الخصوصية في لقائهم بذويهم أثناء الزيارات بسبب وجود أحد رجال الأمن في غرفة الزيارة.
7- عدد من السجناء انتهت مدد محكومياتهم ولم يطلق سراحهم لأسباب مختلفة.
8- بعض السجناء والموقوفين أمضوا مدداً طويلة دون صدور حكم بحقهم بالرغم من انتهاء فترة التحقيق معهم منذ وقت طويل.
9- معاناة العديد من السجناء وأفراد أسرهم من عدم معرفة مصيرهم.
وفي المحور الخامس من ذات التقرير في نهايته وتحت عنوان: النتائج والتوصيات. في النقطة الثالثة من المحور ذاته تحت عنوان: الحاجة تدعو إلى الاستعجال بإنهاء أوضاع هؤلاء الموقوفين والسجناء من خلال ما يلي. ذكرت ما نصه:
1- إحالة من لم يُحل إلى المحاكمة وإصدار أحكام بحقهم.
2- إطلاق سراح من انتهت محكومياتهم.
3- الافراج عمن لم يفجر أو يكفر أو يدعم ذلك عن علم وبينة و بادر بتسليم نفسه أو سلمه ذويه أو تعاون مع الدولة أو كانت تهمته عدم التبليغ.
4- ضمان حصول المتهمين على محاكمات عادلة وتوفير محامين للراغبين منهم وإعلامهم بالأحكام الصادرة ضدهم والسماح لهم بالاعتراض عليها والعدالة في التغطية الإعلامية بين ما يدعيه المدعي العام وما يدفع به المتهمون.
5- زيادة الطاقة الاستعابية للأماكن المعدة لتهيئة من يتم التخطيط لإطلاق سراحهم, فقد لوحظ أن هناك بعض السجناء والموقوفين قد تم إخطارهم بأنه سيتم نقلهم لهذه الأماكن منذ فترة ليست بالقصيرة ومع ذلك لم يتم نقلهم.
6- ابلاغ أسر السجناء والموقوفين باستمرار بما يستجد بشان أبنائهم.
7- العمل على توفير الاحتياجات الأساسية للنزلاء والخاصة بأمور حياتهم كعمل الوكالات وتجديد الأوراق.
وفي صحيفة الرياض العدد 16018* صباح الأربعاء 11 جمادى الاخرة لعام 1433هـ الموافق 2 من مايو العام 2012، أي بعد صدور التقرير السابق للجمعية الوطنية لحقوق الإنسان بثلاثة أشهر، وقبل خمسة أشهر من الآن، نشر تقرير صحفي بعنوان: «حقوق الإنسان» تطالب بحل عاجل لتكدس السجون، وذكر ما نصه:
نستعرضها في ثلاث نقاط:
وتجول الوفد (أي من الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان) في عنابر السجن والتقى بالسجناء واستمع إلى شكاويهم وتظلماتهم ، ودون بعض الملاحظات:
1- التأخر في عرض بعض السجناء على القضاء.
2- تكدس أعداد السجناء في بعض العنابر وزيادة أعدادهم عن الطاقة الاستيعابية للسجن.
3- نقص الكادر الطبي ومحدودية تقديم العناية الطبية اللازمة للسجناء.
ويأتي هذا التقرير الصادر، وهذا التأكيد في التقرير الصحفي، من الجمعية ذاتها، متسقًا مع بيانات جمعية حسم الصادرة فيما قبل وحتى الآن، والتي تؤكد فيها دائمًا حالات الإعتقال التعسفي والتعرض لحالات التعذيب، وهو الذي ذكر في بيانها الصادر السبت 18 رمضان العام 1433هـ الموافق 13 أغسطس العام 2012م، تحت عنوان: انتهاكات حقوق الإنسان الممنهجة في المملكة العربية السعودية من قبل المباحث العامة (وزارة الداخلية)*، ما نصه:
نستعرضها كنقاط:
1- عدم إذعان جهاز المباحث لسلطة القضاء
2- أنشأت وزارة الداخلية "محاكم خاصة" تابعة لها، وهي غير قانونية لأنها خارج دار القضاء.
3- انتهاك حقوق المتهم والسجين:
أ. توثيق الاعترافات الملفقة والمنتزعة تحت الإكراه والتعذيب
ب. عقد الجلسات والمحاكمات سراً بما يخالف نظام الإجراءات الجزائية
ج. حرمان المتهمين من الاستعانة بمحامين وكافة حقوقهم
د. عدم حصول المتهمين على نسخة من الاتهامات والأحكام الصادرة
هـ. قضاء بعضهم مدد الأحكام وانتهاؤها دون الإفراج عنهم
4- بث الرعب عند الإعتقال التعسفي: حادثة اعتقال الناشط محمد البجادي انموذجًا
5- التجسس والاعتداء على خصوصية الناس وإرهابهم: حادثة الناشطة ريما الجريش انموذجًا
6- مضايقة الشباب الناشطين الحقوقيين وتهديدهم: حادثة الناشط ثامر بن عبدالكريم الخضر أنموذجًا
7- اختطاف فوق الاعتقال التعسفي: حادثة المعتقل عبدالله بن محمد الرشيد انموذجًا
8- التعذيب المنهجي لانتزاع الاعترافات: حادثة تعذيب المعتقل مراد بن محمد المخلف أنموذجًا
إنه من المشين والعار على وزارة الداخلية، وصحافتها وأقلامها، والمغرر بهم، فوق تعمدهم الكذب والتضليل، وتناقضهم مع ما يستشهدون به ويستدلون، أن يتهموا المسيرات والاعتصامات لأهالي المعتقلين والنشطاء والمواطنين الشرفاء الأحرار بتزييف الواقع وأنهم مستغلون للقضية في محاولة جعلها شأناً عاماً، في الوقت الذي تزيف هي فيه الوزارة نفسها الواقع، وهي من جعلها شأنًا عامًا بتعسفها واعتقالها للكثير بقفزها على المواد والنصوص، في الوقت الذي تناقض فيه التقارير الحقوقية الصادرة من جمعيات هي تستشهد بإشرافها ومراقبتها، كما أنها تتهم الموقوفين وتحاكم آخرين على قضايا أمنية هي تمس الشأن العام في أصلها، وبنحو سري، مخالفة في ذلك نظام الإجراءات الجزائية وما ينصه في مواده على العلنية، وتذكر أيضًا أن عدداً من المسيرات والاعتصامات تطالب بإطلاق سراح محكومين أو متهمين بقضايا أمنية، في إشارة إليها بتجاوزها الأنظمة والقوانين، متجاهلة هذه الوزارة مخالفتها هي للأنظمة والقوانين، من خلال انتهاكها لحقوق العديد من المعتقلين خلال الضبط والتحقيق وغيره، وإن كانت المطالبات بإطلاق سراح المعتقلين وإن كانت تعدها تهمة، فالجمعية الوطنية لحقوق الإنسان التي أتت على ذكرها والاستدلال بها طالبت ايضًا في تقريرها بذات الشيء، هي متهمة بهذه التهمة، وهي تهمة زور وبهتان في المجمل لمن يطالب بإطلاق سراح من تجاوزت الوزارة بحقهم في مدد الإيقاف النظامية دون توجيه تهمة لهم وتحويلهم للمحاكمة ومن وقعوا ضحية لها بالإخلال بحقوقهم القضائية العدلية في المحاكمات السرية الجائرة ومن قضوا مدد الأحكام الصادرة ضدهم ولم يفرج عنهم.




١- محمد الودعاني مفقود في السجون السعودية منذ تظاهره ٤ مارس ٢٠١١ لأنه طالب عبر فيديو يوتيوب بإسقاط الملكية

٢- سعد السهلي اعتقل بسبب تغريداته على تويتر ونصرته للمعتقلين منذ عدة أشهر دون تهمة ولا محاكمة ..

٣- الشيخ عبدالعزيز الوهيبي معتقل دون محاكمة حكم عليه مؤخراً بسبع سنوات -جاري الاستئناف- لنيته المشاركة بإنشاء حزب الأمة الاسلامي

٤- محمد البجادي ناشط في حقوق الانسان معتقل منذ شهر مارس ٢٠١١ حوكم مؤخرًا في محكمة سرية وحكم عليه بالسجن ٤ سنوات، حالياً في اضرابه الثالث عن الطعام منذ شهرين بسبب التعسف في معاملته وسجنه دون وجه حق
٥- الشيخ سليمان العلوان معتقل منذ ٩ سنوات دون تهمة أو محاكمة


المراجع:
- البيان المضلل لوزارة الداخلية، اكتوبر 2012:
- تقرير "الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان" فبراير 2012: عن أحوال سجون المباحث في السعودية:
- التقرير الصحفي لزيارة الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان للسجون في صحيفة الرياض مايو 2012:
- البيان الصادر لجمعية حسم عن انتهاكات حقوق الإنسان الممنهجة في سجون المباحث، اغسطس 2012:

الحقيقة المرة حول عدوان اسرائيل على غزة


فيلم قصير، معبر جداً عن الواقع، باختصار 

 إبداع وجدته في يوتيوب تحت حساب

The painful truth about Israel's attack on Gaza, in a very simple animated film


14 Nov 2012

ليلة الحرب على غزة


وعادت غزةُ لتغز القلب
قطرةَ دم بعد قطرة 
غارةً جوية بعد غارة
وهذه المرة
قصفاً بحرياً أيضا
ويتحدثون حتى
عن قوات برية

ْلكن
لا تخافي يا غزة
فقد انتفضت الجامعة العربية
ستجتمع من أجلك بشكل طارئ
وستقرأ لك نفس البيانات
عساك تسمعين 
تحت هدير الـ إف ستة عشر
الإدانات والاستنكارات
وقد يجتمع من أجلك
حتى البشاوات
في مجلس الأمن الدولي
شخصياً

اسألي شقيقتَك سوريا
كم اجتمعوا من أجلها
وكم صدحت أصواتهم
وكم أكلوا وكم احتسوا
ولم يرتووا
وفي كل مرة
حسب الدورية
يحسمون المسرحية 
بضربة فيتو
مرة بيد روسية
ومرة بيد أمريكية
لـ "عيون" فلسطين وسوريا

سامحونا يا أطفال فلسطين
سامحونا يا أطفال سوريا
سامحونا يا أطفال العراق
سامحونا يا أطفال العرب
لأننا نبقى أحياء
وصرخاتنا خرساء
كلماتنا بكماء

انفجار يهز بغداد
فيرد الصدى 
بانفجار يهز دمشق
وقصفٌ على حمص
فيرد الصدى
بقصف على غزة
هل تسمعون؟
 إنها أوركسترا الوحدة العربية

أن تكون عربياً يعني 
أن تنام على أنباء الموت
وأن تقوم على أنباء الموت
وأحياناً.. قد لا تقوم
لأنك قد تكون 
 رقماً في نشرة أخبار عربية

على هذه الأرض ما يستحق الحياة
على هذه الأرض ما يستحق الحياة
يصرخ محمود درويش في رأسي
ليلة الحرب على غزة
حرب ألفين واثني عشر
كما صرخ ليلة حرب ألفين وثمانية
عله يقنعني
بأن ثمة ما يستحق الحياة

فلسطين تنادي سوريا
وسوريا تنادي فلسطين
تعالي نبكي معاً
تعالي ننزف معاً
جرحين بروح واحدة

يشتد الألم على الأولى
ثم يشتد الألم على الثانية
وينشطر القلب بينهما
فتاتاً فتاتا
فيتسابق نزيف فلسطين
مع نزيف سوريا
ويمتزج الدم بالدم
شلالاً واحدا
طوله لا يقاس بالليترات 
ولا بالجثث والجنازات
حياً يبقى مهما سال 
ليعود إلى ضخ الحياة
في عروقهما

ستتوارى المقاتلات
وتسكت المدافع
وتغرق السفن
قبل أن ينضب نبع الدم
السوري الفلسطيني
الفلسطيني السوري
كلما فقد روحاً جديدة
تُجددُهُ زغاريدُ الأمهات
في أعراس الشهداء
رغم كل الشجون وكل الخيانات


ليلة ١٣-١٤ نوفمبر تشرين الثاني ٢٠١٢
أبو ظبي