15 Jul 2014

تجربتي الدنماركية في .. فلسطين !


كنتُ قد زرت سديروت في أوقات السلم، يقطنها حوالي ٢٥ ألف شخصاً. لكن حين زرتها من جديد قبل أيام كانت شوارعها خالية كأنها مدينة أشباح ليس فيها سوى بضع سيارات تمر بسرعة هرباً من هجمات الصواريخ

عثرت على شخص يدلنا على الطريق إلى هضبة كنا قد رأيناها ونحن نصل البلدة فقد كانت عليها أضواء وكنا قد سمعنا عنها. لم نكترث بالتحذيرات من أن الذهاب إلى الهضبة خطر. ووصلنا هناك في حوالي الساعة الثامنة والنصف ليلاً

تفاجأت بوجود كثير من السيارات. صعدت على الهضبة التي ترتفع ٣٥ متراً تقريباً، وفاجأني المشهد. ستون شخصاً تقريباً كانوا جالسين على كراسي الشاطئ. قهوة. بوشار. بعضهم في الصف الأول وكأنهم في أحسن مكان في السينما


كانت المروحيات ومقاتلات إف ١٥ وإف ١٦ تحوم في السماء. لم نفهم تماماً ما يفعله الناس هنا. لمدة ١٥ دقيقة لم يحصل أي شيء. ثم فجأة سُمعت انفجارات وشوهدت ومضة ضوء، فصفقوا وهللوا !


بإمكانك أن ترى الكثير من غزة من هناك. أتفهم بأن يذهب المرء من باب الفضول، رغم وجود عامل الخطر. لكن في نفس اليوم تواترت الأنباء عن مقتل مدنيين، بينهم مسنون وعائلات. كانت صدمة بالنسبة لي أن أرى الناس تصفق وتهلل. كان علي أن ألتقط تلك اللحظة كإنسان وكصحفي

في البداية لم يكن أحد يرغب في الحديث معنا. قلنا إنا صحفيين لكنهم لم يشعروا بالارتياح وسألونا: هل أنتم مع اسرائيل أم ضد اسرائيل؟ وأنا معتاد على هذه الأسئلة من الاسرائيليين

قال لي أحد الموجودين: "نحن أتينا هنا لليلة الثانية على التوالي، قدمنا من القدس" (ساعة ونصف بالسيارة). واعتبر مشاهدة غزة كبرامج التسلية التلفزيونية وقال إنها أفضل من مشاهدة مباريات كأس العالم لكرة القدم

كانت أعمار الموجودين تتراوح بين ١٥ عاماً و٦٠ عاماً. بعضهم كانوا يهوداً أمريكيين يقضون بعض الوقت في اسرائيل. لكن الأغلبية كانت من سديروت، أي من اليهود الشرقيين

هذه الشهادة ليست عن تجربتي الشخصية، فأنا محرومة من دخول فلسطين (لأني لاجئة فلسطينية). هي تجربة صحفي دنماركي اسمه آلان سورينسين يعمل لصالح صحيفة دنماركية، تعرفت عليه على تويتر عبر صورة نشرها وعلق عليها بالانكليزية: سينما سديروت. اسرائيليون يجلبون كراسيهم إلى أعلى الهضبة في سديروت لمشاهدة التطورات في غزة. يصفقون حين تسمع الانفجارات
مستوطنة أو مستعمرة سديروت، التي تعرف أيضاً بالعربية باسديروت، تقع شمال قطاع غزة وبنيت على أراضي بلدة النجد الفلسطينية التي هجر منها أهلها إلى غزة

حسد

لا أخفي عليكم أنني حسدته لأنه هناك يستطيع الحصول على المعلومات بنفسه ويرى ويسمع ويشعر بكل شيء. لقد غطيت أكثر من ٣٠ أو ربما حتى ٤٠ بلداً في العالم في مسيرتي الصحفية، ما عدا وطني المسلوب فلسطين

وأعترف أنني عندما رأيته عبر سكايب كي أعرف منه أكثر كانت فكرة أنه يحدثني من القدس غريبة جداً. أخبرني أنه يغطي المنطقة منذ ١٢ عاماً وأنه زار غزة ويعرف مدن الضفة الغربية وقراها، ويعرف المستوطنات. هذا الصحفي القادم من شمال أوروبا يعرف كل تلك الأماكن التي أسمع عنها ولا أعرفها


تخيلت لو أنني كنت مكانه في سديروت، كيف كانت ستكون ردة فعلهم تجاهي إن كان صحفي أوروبي يواجه نفوراً منهم؟ وكيف ستكون ردة فعلي أنا وهم يصفقون للموت في غزة؟


معادون لاسرائيل


شرح لي الصحفي الدنماركي أنه معتاد على أسئلة الاسرائيليين الذين  يرتاحون لفكرة أنه من الدنمارك التي أنقذت اليهود خلال الحرب العالمية لكنهم "يلومونك فهم يعتبرون معظم الصحفيين الأوروبيين معادين لاسرائيل" كما يقول 


سألتُه وأنا ما زلت أحسده وأنا أراه عبر سكايب وأحاول أن أكون موضوعية في طرحي: ماذا عن الطرف الآخر؟ في غزة؟ ألا يصفقون ويهللون أيضاً؟ وهل 
يصدمك الأمر بنفس القدر؟

فأجاب: نعم في غزة يصفقون ويهللون أيضاً، بالطبع، لكن الوضع في اسرائيل
تغير خلال السنوات الماضية، فمع أن التحريض كان دائماً حاضراً إلا أن الأمور خرجت عن السيطرة منذ اختطاف ثلاثة مراهقين اسرائيليين وكأن كل شيء خرج من القنينة وأصبح هناك نوع من نزع الإنسانية عن الفلسطيني 

فكرت بالأمر بجدية. هل من المنصف المقارنة بين طرف يعيش تجربة الموت، وطرف يعيش تجربة الذعر والهلع؟ بين طرف يحتل، وطرف محتل ومحاصر ومهجر؟

تمسك آلان بفكرة تغير المجتمع الاسرائيلي وشرح لي أنه قبل عشر سنوات لم يكن من السهل أن يقول أحدهم مثلاً: "الموت للعرب"، كما يفعل الناس اليوم في القدس، دون أي عواقب أو ملاحقة من أحد. فيقول: "لقد أصبح أمراً مشروعاً أن تقول تلك الأشياء في المجتمع، وعندما تسمح القيادة الاسرائيلية بذلك فإن الأمر لا حدود له". ومن جديد فكرت، ألا يردد كثير من العرب عبارة: الموت لليهود؟

حيوانات وإرهابيون


يتابع آلان شرحه لجو الكراهية والعنصرية المنتشر في اسرائيل ويقول إن البعض يقول عن الفلسطينيين: هم لا يهتمون بأطفالهم كما نهتم نحن بأطفالنا، ويصف العرب بالحيوانات وبالإرهابيين

المؤكد بالنسبة لآلان هو أن الاسرائيليين باتوا لا يرون أي نور في نهاية النفق وأن نتنياهو ليس مهتماً بأي حلول بديلة عن الوضع الراهن، وأنهم يخافون أكثر بكثير هذه المرة من صواريخ غزة لأنها أكثر دقة وكثافة، ويشعرون بأن حماس أصبحت لديها قدرات أكثر وأكبر 

بيرة وحواجز

ويواصل آلان بألم قائلاً إن نسبة الاسرائيليين الذين يعون حقاً لوضع الفلسطينيين أقل بكثير اليوم مما كانت عليه قبل عشرين عاماً وإنهم لا يكترثون ويمكن أن يحتسوا البيرة في تل أبيب بينما أولادهم مجندون على الحواجز

هو 
يعرف تلك الحواجز جيداً لأنه يتنقل كثيراً. سألته: ألا يواجهك الفلسطينيون بنفس الأسئلة: "هل أنت معنا، هل أنت ضدنا"؟ أجاب: "عادة إن كنت تتحمل مشقة الوصول إلى مكان مثل غزة يستغرق منك ربما يومين أو ثلاثة (مع أن المسافة هي فقط ساعة ونصف من القدس) فذلك لأنك تريد الكتابة عن مشاكل المياه والطاقة والدواء. الفلسطينيون لا يتخيلون أن صحفياً أوروبياً سيأتي إليهم دون أن يكون معهم" .. انتهى الحديث وأنا أحلم بأن أعيش تجربة ذلك الدنماركي



2 comments:

Unknown said...

لا يوجد كلام يصف المشهد كما قرأته ، بدأت فعلا الشعور باننا كائنات فضائية عندما نستهجن القتل او الدمار .. على فكرة حاسة انو الارض كلها عم تتوجع من اولادها

ديمة، هيك انت ^_^ >>> http://emalsous.blogspot.fr/2014/07/blog-post.html

Unknown said...

أحيانا تتمنى أن يكون لديك جنسية غربية فقط لتتمكن من الذهاب إلى الأراضي المحتلة لهدفين : أولاً: استنشاق رائحة الوطن بحرية و ثانياً: معرفة المحتل عن قرب كما فعل هذا الصحفي . نحن بحاجة لمعرفة عقلية و طريقة تفكير هذا المحتل اللامنطقية لكي نعرف كيف يتم التعامل مع أمثاله.