21 Jul 2013

يوميات فنزويلية: كم ساعة تصومون؟


عندما تكون في بلد "غريب"، بمعنى أنه في الغربة وليس من البلدان التي ينتشر فيها المغتربون بكثرة مثل الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً، فإن الناس تسألك كثيراً عن أجواء رمضان وأوقات الصيام وما إلى ذلك

الصيام في فنزويلا يبدأ مع طلوع الفجر في الساعة الرابعة والنصف، وينتهي قبيل الساعة السادسة والنصف، أي ١٤ ساعة تقريباً. لكن الصراحة أن الصيام هنا لا يقارن إطلاقاً بالصيام في البلدان العربية، لا من ناحية الطقس - خاصة في موسم الصيف - ولا من نواح أخرى

الطقس هنا لطيف للغاية. درجة الحرارة في العشرينات، ليس فقط الآن، وإنما طوال العام. أحياناً تسطع الشمس وأحياناً يسود الغيم وأحياناً يأتي المطر. وفي كل الأحوال فإن الإنسان لا يشعر بالعطش أو الإرهاق من الطقس. لا توجد لا رطوبة عالية ولا جفاف. وهنا أتحدث عن العاصمة كاراكاس. في مناطق أخرى في فنزويلا هناك مناخ مختلف يتراوح من الحر الشديد الشبيه بحر الخليج، والبرد الشديد في أعالي الجبال الشبيه ببرد أوروبا الشمالية


خمس ساعات صيام؟

كثيرون يظنون أن فنزويلا تحت خط الاستواء. وهو اعتقاد خاطئ. فنزويلا فوق

خط الاستواء وبالتالي فهي حالياً في فصل الصيف (ذي الأمطار الموسمية)  بعكس الأرجنتين حيث فصل الشتاء البارد، وهي التي يستشهد بها كثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي كـ "جنة الصائم" لأن ساعات الصيام فيها قليلة جداً



الناس تبادلت هذا الرسم البياني عبر الانترنت، لا أعرف من أعده ولم أنظر في دقته بالنسبة للبلدان الأخرى لكنه غير صحيح بالنسبة للأرجنتين. فالصيام في الأرجنتين يمتد من الساعة السادسة والنصف صباحاً تقريباً إلى الساعة السادسة مساءً تقريباً. أي أقل من ١٢ ساعة. وهو وقت أقصر من باقي الدول، لكنها ليست ٥ أو ٦ ساعات كما يدعي البعض


والأرجنتين تبعد عن فنزويلا مسافات شاسعة. كثيرون ينظرون إلى أمريكا الجنوبية على أساس أنها منطقة تتقارب فيها المسافات. فيظنون أن كوني في فنزويلا لا يفرق عن كوني في الأرجنتين مثلاً، على الأقل من ناحية ساعات الصيام. لكن الرحلة بالطائرة - إن كانت مباشرة - بين كاراكاس، عاصمة فنزويلا، وبوينوس أيريس، عاصمة الأرجنتين، تدوم حوالي سبع ساعات، جنوباً. أي نفس طول الرحلة من دبي إلى باريس مثلاً



مجتمع يعشق الملذات

الصعب في الصيام هنا هو أن المجتمع لديه عادات وطباع بعيدة كل البعد عن فكر رمضان والفكر الإسلامي بشكل عام. فإضافة إلى أن الجميع يتناول الطعام والشراب بأنواعه أمامك طوال النهار، يمكن أن تكون في سيارتك مثلاً ويصادفك إعلان كبير في الشارع عليه نساء شبه عاريات بالكامل، ورجال أيضاً. حصلت معي أمس. كان الإعلان عن مسرحية. وفي كل مكان ترى نساء يرتدين من الملابس القليل جداً ويبرزن المفاتن بشكل فاضح. وقد يصادفك في الطريق عشيقان يقبلان بعضهما البعض بشهوانية. وطبعاً الناس تدعوك إلى العشاء أو إلى حفل استقبال أو حفل من أي نوع كان فتقدم لك مشروبات كحولية ولحم الخنزير، ولا يفهم سوى قليلين ما هذا الصيام الذي تشير إليه. لكن الجميل هو أنهم حين يفهمون يقدرون الأمر ويحترمونه كثيراً، ويبدون اهتماماً به وفضولاً كبيراً لمعرفة المزيد. لكنهم لا يستوعبون جانب التعري والملابس الفاضحة مثلاً. وعلى أية حال هم يرون المسلمين الصائمين ككائنات خارقة لا يفهمون كيف تتحمل الجوع والعطش، ناهيك عن أشياء أخرى قد يصعب عليهم ثقافياً فهم معنى الامتناع عنها

ليلة السبت كانت هناك حفلة عيد ميلاد في الجوار. حفلات عيد الميلاد هنا تشبه الأعراس عندنا لأنها حفلات ضخمة يدعى إليها عدد كبير من الأشخاص، خاصة عندما يكون المحتفى به طفلاً. فيتم تجهيز صالة بكافة أنواع الترفيه والتسلية للكبار والصغار من موسيقى قد تكون حية ومهرجين وعروض ومسابقات وألعاب وأكل وشرب تكلف مبالغ باهظة طبعاً لكن الناس هنا تحب الحياة وتحب المتعة وتصرف كل ما لديها من أجل ليلة سعادة، على مبدأ: والله بيفرجها بُـكرا! لم أعرف موقع حفلة عيد الميلاد بالتحديد لكنها كانت صاخبة للغاية تملأ كل الجوار بأغاني الريغيتون والسالسا والميرينغي، وصوت مقدم الحفل، فتشعر بأن الطبول تدق في منزلك. وبدلاً من أجواء رمضان تشعر بأنك في مرقص كبير مفتوح، مع أصداء صوت حفلة أخرى في جوار أبعد


أين العرب؟
  
نعم في فنزويلا عدد كبير من المتحدرين من أصل عربي، يقدر عددهم بأكثر من مليون، لكن نسبة كبيرة منهم مسيحيون. وكثير منهم لا يقطن العاصمة كاراكاس

أنا أقطن في حي ينتشر فيه اليهود، وبجانب منزلي هناك كنيسان (أحدهما أشكيناز والآخر سفاردي) والطريف أن بعض جيراني اليهود يتحدث العربية، فهم من أصول مغربية وتونسية وسورية، ويعرفون عن صيام رمضان أكثر مما يعرف الفنزويلي العادي، وعادة ما يهنئوني بعيد الفطر

بالمقارنة مع أماكن أخرى عشت فيها، مثل هونغ كونغ، أشعر بأن فنزويلا رغم كل شيء أقل غربة بالنسبة للمسلم بسبب وجود الملحمة الإسلامية على الأقل وبعض المحال التي تبيع ما يلزم لإعداد أطباق عربية، وبسبب تسامح الناس  الكبير مع أي معتقد كان. فالمسلم هنا يتمتع بحرية تامة لممارسة طقوس دينه، ولا أحد ينظر إليه أو يعامله بطريقة مختلفة لأنه يرتدي لباساً مختلفاً أو يصلي أو يصوم. هذه فعلاً بلاد حرية ترحب بأي كان بدون أحكام مسبقة، وعلى المسلم أن يتحمل حريتها التي يستفيد هو منها


مسجد كاراكاس

مسجد كاراكاس الكبير معلم من معالم العاصمة الفنزويلية

مسجد كاراكاس الكبير صرح جميل كان أكبر جامع في القارة لحين بناء مسجد أكبر منه في بوينوس أيريس بالأرجنتين. ويقع في غربي كاراكاس في منطقة ليست آمنة، خاصة ليلاً. أنا هناك لا أترك سيارتي مثلاً في الشارع بسبب خطر السرقة، وهو خطر يتعرض له من يمشي على الأقدام أيضاً. فأتخيل أن كثيرين قد لا يرتادون المسجد بسبب هذه الظروف، علماً أن ازدحام السير هو أيضاً عائق للوصول لكنه حالياً أخف من باقي فترات العام

في الجامع هناك دائماً أسر عربية لكن هناك أيضاً عدد كبير من غير العرب، مثل الأمريكيين اللاتينيين وجنسيات من جميع أنحاء العالم، وقد لاحظت أن بعض العرب يتغيرون في رمضان، فيكونون فنزويلي الطباع والأخلاق طوال العام، ويصبحون أتقياء فجأة في رمضان


هناك في فنزويلا بضعة مساجد أخرى أصغر من المسجد الكبير، في مدن أخرى. كان هناك مركز إسلامي أيضاً فيه مسجد صغير في حي أبعد غرباً اسمه إل باراييسو، أو الجنة، لكني لم أزره من فترة طويلة، أتوقع أنه ما زال موجوداً

طبعاً لا يوجد هنا مدفع يُضرب ولا آذان يُسمع، إلا داخل الجامع. وإن لم تبذل جهداً للاجتماع بأفراد الجالية في الجامع أو في المركز الإسلامي أو في المنازل فقد لا تصادف أي صائم مثلك طوال الشهر الفضيل

أترككم مع تقرير قديم أعددته خلال رمضان يعطيكم فكرة أوسع عن الموضوع

8 comments:

Misrhorra said...

رائع جداً ديمه

Anonymous said...

رائع جدااااااا ديمة

Unknown said...

رغم تكاثف الاعمال على مكتبي الان ولكني لم أتمالك نفسي إلا أن غصت معك وانسبت في تيارك السلس.
أحببت فنزويلا عبر عينيك واتوق إلى كراكاس من خلال كلماتك.
فقد طافت بي في دنيا تمنيت لو أنني خلقت فيها.. حتى اصطدمت بآخر كلمة من تدوينتك لأعود إلى واقع مهامي اليومية.
ليتك لم تتوقفي أبدا.
سأنتظر تدوينتك التالية بكل شوق

larbi moh said...

نبذة تعريفية شاملة كاملة الله عليك ريما

Dima Khatib said...

شكرا لك نايف ... يسعدني كثيراً أن أعرف أن ثمة قارئاً نهماً مثلك ينتظر ما سأكتب.. واليوم حتى الآن لم أقرر الموضوع .. وشكراً لوسام والعربي والمجهول أيضاً .. أتشرف بمروركم بين وريقاتي

Digital Nomads said...

It's so nice to see a fellow Arab traveling too, I think I will start following your blog. Maybe we will meet with you one day as we travel full time too :)

Unknown said...

جميل كعادتك.

Yasmin said...

انا من دارسى اللغة الاسبانية ونفسى جدا ازور كل دول العالم وهذا العرض لفنزويلا اعجبنى كثيرا واتمنى ان ازورها قريبا ى