26 Jul 2012

بقـايـا وطـن



الوطنُ هو أحياناً تلكَ الياسمينة
التي يبقى عبقها معك
أينما ذهبت، يرافقك
لا شيء في العالم كله يشبهها
لا شجرة تضاهي جمالها
ولا امرأة تنافس فتنتها

هي من كانت تنتظرك كل ليلة
عند مدخل ذلك المبنى
حيث خلفت نساءٌ الموعدَ معك
فكانت هي تارةً رفيقةَ صمتِك
وتارة أخرى هديةً عفوية لحبيبتِك
تملأ بأوراقها الكفين
فيصبحان أنصع من بياض العينين

الوطن هو أحيانا تلك الأغنية
التي لا يعرفها سوى من ترعرعوا معك
قد لا تكون أغنية جميلة
لكنك لن تنساها مهما حييت
ومهما تعلمت من أغان غيرها
تقبع دائماً في زاوية من زوايا ذاكرتك
لتعود بك إلى ركن من أركان طفولتك

الوطن هو أحياناً ذلك الزقاق
حيث كنتَ تتوقف كل صباح
لتشتري منقوشة زعتر ساخنة
في طريقك الى المدرسة

الوطن هو أحياناً تلك الوجوه
التي كنتَ تراها كل يوم
ذهاباً وإياباً
وكنتَ تظن أنها دائماً ستكون 


تعود وقدماك تمشيان وحدهما نحو الزقاق
تعود ولسانك يتوق لحبات الزعتر
تعود وعيناك تبحثان عن تلك الوجوه

لا زقاق ولا زعتر
لا وجوه ولا نظرات

لا تجد سوى أشباح 
فقد دمر من دمر ما تعرفه من الوطن

الأغنية تدندن بين أذنيك
وأنفك يبحث عن عبق الياسمين
تشتاق لفرك أوراقه بين يديك

لكن أهل المبنى رحلوا
وما عاد هناك مدخل

وقفتَ تبكي
عند مقبرة الياسمين
حيث رائحة الموت
ركعتَ على الأرض
تنبش بيديك بقايا وطن

 

6 comments:

Anonymous said...

من جمال كلماتك وصدقها

ظننتُ أنَّ الوطن يكتبُ عن الوطن

Anonymous said...

كلمات تدمع العين في زمن اختزل فيه الوطن في مصالح فردية

جميل جداً

رامز رمضان النويصري said...

الجميل في هذا الص بساطته والتقاطاته الذكية للحظات في صور شعرية محددة المعالم




تحياتي

Dima Khatib said...

شكرا لكم
نتشارك بالألم

sonia said...

برقة الياسمينه ولذة الزعتر..... خربوشتك موجعة،،، موجعة

Anonymous said...

يا لذلك الزعتر ... ياابنة النور