14 Apr 2014

حـلـو الوطـن : باريـس - جـنـيـف


تمشي في شوارع باريس تائهاً بين جماليات ساحرة، هنا وهناك، لا تكاد عيناك تقع على شيء يشدهما إلا ويظهر شيء آخر. أياً كانت اهتماماتك لا يمكن إلا وأن تجد في باريس ما يثريها. عادة تستوقفني الكتب والموسيقى والأسواق المفتوحة (لأشياء مستعملة) في الهواء الطلق والناس .. وأستمتع بتبادل كلمات جزائرية هنا وهناك مع أبناء الجالية الجزائرية المنتشرين في باريس في كل مكان

 لكني في آخر زيارة تفاجأت بمحل تراءى لي من بعيد، يحمل اسماً محفوراً في قلبي: مسقط رأسي


بسرعة استكشفت كل ما في المكان، وعادت إلي ذكريات ملذات "الزنبركجي" الذي كنت أشتري من فرعه في حي أبو رمانة بدمشق، وكنت أجلب منه معي إلى غربتي الأوروبية. وجدت في المحل فواكهه المجففة بالمكسرات التي أحبها، والشوكولاته بالتمر التي لم أكن أحبها. كل ما في المحل يصنع في سوريا 





المثير للاهتمام أن صاحبة المحل ليس سورية، بل سيدة جزائرية واضح أنها وقعت في غرام دمشق وأرادت أن تحول حبها للشام إلى شيء ملموس. راقبتها وهي تشرح للزبائن تفاصيل كل علبة وكل حلوى، تتحدث بكل شغف، وتقدم كل شيء بأناقة باريسية راقية


أكثر ما أحببت في المحل هي النوغا بالورد التي لم أذقها من قبل. الورد دائماً يسافر بي إلى ربوع الشام


الأيام الخوالي

وصلت جنيف بعدها بأيام واخترت أن أقيم لدى صديقة قديمة من أيام الدراسة الجامعية، وهي تسكن في منطقة غير بعيدة عن محطة القطار. في أول خروج من منزلها للمشي نحو المدينة القديمة التي أحبها مشينا قليلاً وإذ بي - من جديد - ألمح نفس الاسم المحفور في قلبي: مسقط رأسي


سلمت بالعربية، فرد علي من هم في المحل بالعربية
مقهى يقدم أنواعاً شهية من الحلويات السورية الطازجة المعدة في جنيف، مثل القطايف والهريسة، وكلها مشروحة بالفرنسية في لائحة طعام تشبه لائحة طعام السوشي الياباني


ما إن بدأت ألتقط الصور وقالت صديقتي عني إني صحفية وأحب أن أدون عما يصادفني في أسفاري، ذاكرة اسمي، حتى سارع أحد الشباب هناك وقال: هل تذكرين ولداً سورياً كنت تدرسينه البيانو في منزل والديه بجنيف؟ 
طبعاً أذكر. فقال: هو أنا، والمحل هو محل أسرتي


عادت إلي ذكريات ملذات الحلويات في منزله قبل عشرين عاماً، حين كانت والدته تقدم لي الحلويات السورية في غربتنا، أنا كطالبة وهي كزوجة موظف في منظمة دولية. لم أكن أتخيل أني بمجرد عودتي لجنيف للزيارة سأجد أحباء وأطعمة الماضي أمامي

 قابلت السيدة في اليوم التالي، فاجأتها. عرفتني. وعانقت فيها الغربة والوطن
 في كأس واحد

شعرت بالامتنان لأن زيارة باريس وزيارة جنيف معاً كانتا زيارة واحدة لوطن واحد، يسكنني، مهما ابتعد يبقى قريباً، ومهما تمرمر يبقى طعمه حلواً تحت اللسان

3 comments:

Ibrahim Abdullahi said...

ياااه يا ليت عندي نفس التجارب

Unknown said...

سيدتي انت محظوظة بالشام، ولكن الشام أكثر حظاً بك،ة
فمدننا العربية أكثر جمالا وجاذبية خصوصاً عندما تجد من أهلها من يعشقها ويحكي عنها بهذا الشغف.
فأنا من القاهرة ولكني من عشاق الشام وابورمانة والزنبركجي، تحياتي لكي

Unknown said...

كتير اشتقتلك ... ما بعرف كيف اوصفك !!!
مدينة على هيئة انثى :)
Yasmin @EmAlSous :)