18 May 2013

أزمة الصحافة : لا مصداقية ولا حيادية ولا موضوعية

المقال نشر بتاريخ ١٧ مايو أيار ٢٠١٣ في صحيفة القدس العربي



أصبحت أنظر إلى نفسي في المرآة فأحتار هل أنا أنا؟ هل الانعكاس في المرأة انعكاس لي أنا؟ هل أنا مجسم؟ من أنا؟

هذا الكلام قاله لي مجازاً مواطن عربي من شباب إحدى الثورات العربية تعبيراً عن حالة الضياع التي يعيشها كثيرون أو ربما يعيشها الجميع أمام فوضى المعلومات التي أصبحنا نتعرض إليها كل يوم.

شخصياً على المستوى المهني أصبحت أشك في كل ما يُكتب وكل ما يُقال وكل ما يُسمع وكل ما يشاهَد، ليس فقط حول الأحداث العربية وإنما العالمية أيضاًولعل زخم المقالات التي كتبت عندما توفي الرئيس الفنزويلي أوغو تشافس مؤخراً رسخَّت لدي هذه الشكوك لأن فنزويلا حقل عملي منذ قرابة عقد من الزمن وأعرف عنها ما لا يعرفه صحفيون لم يقيموا ويعملوا فيهاكلما قرأت مقالة عن تشافس وفنزويلا وجدت فيها من أنصاف الحقائق والحقائق المغلوطة واللا حقائق ما يجعلني أشك بشكل دائم في ما هي فعلاً حقائقولا أتحدث هنا عن الصحافة العربية بشكل خاص بل عن الصحافة العالمية بأكملها والتي أبدعت في إدخال ما طاب لها ولمخيلتها أحياناً من تواريخ وأسماء وأحداث حول فنزويلا قدمتها على أنها حقائق لكنها لم تكن كذلك على الإطلاق

لكن لنبق في المنطقة العربية ولنعد إلى الوراء قليلاًسنجد أن مصادر الأخبار في عام ٢٠٠٥ مثلاً كانت واضحةكانت الحقيقة في أغلب الوقت حقيقة واحدة – أو هكذا بدا لنا على الأقلكانت الحقيقة "حقيقة"، وكانت مقدسةكانت مصادرنا الصحفية واضحة ومعروفة، ألا وهي وكالات الأنباء المحلية والعالمية وتصريحات المسؤولين والمؤتمرات الصحفية والبيانات الرسمية والأحداث على الأرض وبعض المواقع الالكترونيةكان الخبر خبراً وكان يتمتع بقدسية ماكان يمكن نفيه أو تكذيبه لكن في أغلب الوقت كنا نعرف أنه خبر حقيقي.

لكن منذ عام ٢٠١١ بدأت قدسية الخبر تتهاوى ودخلنا مرحلة الخبر المضاد، والخبر المعاكس، والخبر المفبرك، والخبر الإشاعة، والخبر بالون الاختبار، والخبر الـ "لا خبر" ! كل ذلك ظهر بعد تحولات جمة طرأت على الإعلام منها

أولاً ظهور مصادر جديدة عبر الانترنت لا يمكن حصرها ولا التحقق منها كما كانت الحال مع وكالات الأنباء العالميةكان الصحفي مثلاً يعول على أن ورود خبر ما في وكالتي أنباء عالميتين يعني أنه صحيحالآن يمكن أن يصدر الخبر عن موقع الكتروني وينتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتتناقله نفس وكالات الأنباء التي كنا نعتمد عليها، ثم يثبت بأن الموقع نفسه وهمي وليست لديه أي مصداقيةوحتى عندما يأتي الخبر عبر مادة فلمية المفروض أننا نرى وقائعها بأعيننا، لم نعد قادرين على الحكم عليها بشكل قاطع وأكيد لأنها قد تكون قديمة أو متلاعب بها أو فخاً من نظام ما أو من معارضة ما أو من جهة ماوالمشكلة أن وسائل الإعلام لا تستطيع في الوقت ذاته تجاهل هذه المواد التي تنتشر بكمية هائلة عبر اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي والمدونات لأنها قد تبدو بمظهر المقصر الذي لا يريد نقل الأحداث من مناطق وظروف لا يمكن ممارسة الصحافة فيها بشكل طبيعي، مثل سوريا

ثانياً ظهور وسائل جديدة جعلت من المتلقي مرسلاً أيضاً، يتحول من مجرد متلقٍ سلبي للأخبار إلى مرسل إيجابي لديه في هاتف ذكي صغير الحجم كل ما يحتاج إليه كي يؤدي دور الصحفي البديل، في غياب الصحفي المحترف، فاختلطت الأدوار بين متلق ومرسل، وأصبح المتلقي يشعر بأن لديه سلطة على المرسل تسمح له بالتشكيك في كل شيء والتدخل في أي لحظة عبر وسائل التواصل المتاحة له، مع أنه ليس صحفياً حرفياً وقد لا يمتلك قدرات الصحفي المطلوبة لأداء العمل الصحفي بمهنيةوأحياناً هو يعطي لنفسه حق التلاعب بالمعلومات والصور كي يقحم فكرته أو وجهة نظره

ثالثاً انتشار التعددية وحرية التعبير دون أي نشر لثقافة التعددية وثقافة الحرية، مما يفسح المجال لكثير من الانفلات والفوضى في ممارسة حرية التعبير ليس فقط في فكر المتلقي والصحفي البديل بل أيضاً على مستوى الصحفيين المحترفين الذين أصبحت لديهم توجهات سياسية يعبرون عنها بشكل صريح حتى لو أثر ذلك على تغطياتهم الصحفيةوبعضهم يبدو متشدداً في رفضه ونفوره من الرأي الآخر أو الآراء المغايرة لرأيه بشكل يجعله يفقد مصداقيته الصحفية أمام المتلقي

رابعاً انتشار جو من المنافسة الإنتاجية يجعل وسائل الإعلام تشعر بأنها دائماً تحت ضغط الخروج بشيء جديد، فعليها دائماً أن تقدم عناوين ساخنة وتبحث عن مواضيع ساخنة، وتكون سباقة في نشر الأخبار مهما كان الثمنولعل أحد مسببات هذه الحالة هو عولمة الإعلام إذ أصبح أي خبر ينشر في أي مكان عبر أي وسيلة بأي لغة ينتشر في كل مكان آخر، فأصبح التنافس مفتوحاً على الملأ بين الجميع في أنحاء العالم

يجب أن نقر بأننا نمر بأزمة مصداقية تعاني منها الصحافة تجعل الصحافة كلها في حالة أزمةوللخروج من الأزمة لا بد من الآتي

أولاً العودة إلى الحقائق والتمسك بها والتحقق منها مراراً وتكراراً وعدم الوقوع في فخ النقل والتناقل السريع للمعلومات عبر النسخ واللصق وعدم الوقوع في فخ أخذ الحقائق من طرف واحد ومن وجهة نظر معينةعلى الصحفي أن يتعلم أن أساس مصداقيته وأخلاقياته المهنية هي الحقائق

ثانياً إيجاد آليات جديدة للتحقق بشكل مهني من المصادر الجديدة بحيث تستخدم التكنولوجيا لصالح الصحفي ولا تضعه رهينة لما تقدمه التكنولوجيامثلاً ينبغي أن يتعلم كل صحفي كيفية التحقق من المواقع الاكترونية وينبغي أن يكون على اطلاع على مواقع التواصل الاجتماعي وأهم الشخصيات ضمن المواطنين في المجتمع المدني التي تأتي بالأخبار كي يحكم على مصداقية أخبارها عبر الخبرة المتراكمة

ثالثاً الفصل بين الأيديولوجيات والانتماءات والميول الشخصية من جهة وأخلاقيات المهنة الصحفية من جهة أخرى

رابعاً الاعتراف بأن الموضوعية وهم، وبأن الحيادية حلم طوباوي، والتمسك بدلاً عنهما بالأمانة المهنية وبأخلاقيات الصحافةفالموضوعية التي طالما قيل لنا إننا نمارسها تختلف من صحفي لآخر مع أنهما يمكن أن يكونا في نفس المكان ونفس الزمان يغطيان نفس الحدث لأن لكل منهما فهماً للواقع يختلف عن الآخر، فكل إنسان لديه تكوينه وفكره واستيعابهولا يوجد صحفيون معدون مسبقاً في مصنع واحد يرون الأشياء بنفس العين ويفهمونها بنفس الفكرفحتى عندما نسعى بكل صدق إلى الموضوعية فهي ليست ممكنة مئة في المئة وإنما جزئياًأما الحيادية فهي بالفعل أمر غير ممكن تحقيقه، فمجرد اختيار المفردات والصفات في الجملة يؤثر على انطباع المتلقي عن الموضوع أو الشخصية

خامساً إعادة النظر في تعريف الصحفيهل الصحفي البديل أو ما يعرف بالصحفي المواطن صحفي أيضاً؟

سادساً التعامل مع واقع المتلقي الذي يتحول إلى مرسل أحياناً بشكل مكمل ورادف للعمل الصحفي وليس كأنها معركة بين الصحافة التقليدية وصحافة المواطن

أتساءل لو أن الصحافة أدت دورها على أكمل وجه هل كان للمواطنين أن يقحموا أنفسهم في عالم الصحافة والإعلام؟ في بعض الحالات كان القصور آتياً من تغييب الإعلام بسبب الرقابة والتعتيم من قبل أنظمة قمعية استبداديةلكن في حالات أخرى كان القصور هو قصور من وسائل الإعلام، وأعطي مثالاً اسبانيا التي شعر فيها المتظاهرون بأن وسائل الإعلام تآمرت ضدهم ولم تغط قمع مظاهراتهم لأنها جزء من الهيكل الاقتصادي-السياسي الذي يتظاهرون ضده، وعندها قرروا اللجوء إلى تويتر وفيسبوك ويوتيوب على نسق شباب الثورات العربية

مستقبلاً أظن أن التزاوج بين وسائل الإعلام التقليدية ووسائل الإعلام الحديثة لا بد أن يثمر عن صحافة أفضل بحيث تكملان بعضهما البعض، وبحيث يستعيد الصحفي خنادقه فيرفده الصحفي المواطن عند الحاجة بدلاً من أن ينوب عنه، بعد أن يستعيد ثقته فيهوإلا فقد نفقد المصداقية بلا عودة ولا نستطيع إنقاذ المواطن من شكوكه الوجودية كلما نظر إلى نفسه في المرآة

17 May 2013

لقاء في جريدة الوطن الكويتية






تدرس في الجامعة الأمريكية بدبي وتحلم بأن تكون أفضل أم بالعالم

ديمة الخطيب: أنا مراسلة تلفزيونية على خطوط النار وأخاف أن أموت ويفقدني طفلي
2013/05/08   09:07 م

التقيمالتقيم الحالي 5/5







حاورها يحيى عبد الرحيم:

ديمة الخطيب.. مديرة مكتب قناة الجزيرة في أمريكا اللاتينية، وتعد أول امرأة تتسلم ادارة مكتب خارجي لقناة الجزيرة، وكانت صاحبة تجربة سابقة في تأسيس مكتب القناة في العاصمة الصينية بكين، وقبل ذلك هي مراسلة تلفزيونية نشطة.
ديمه في الأساس صحافية وتجيد ثماني لغات.. التقيناها أثناء زيارتها الأولى للكويت ضمن ضيوف الملتقى الاعلامي العربي العاشر وقد شاركت ضمن فعالياته من خلال جلسة حوارية بعنوان «الاعلام الشامل» وتحدثنا أثناء الحوارفي قضايا اعلامية وانسانية شتى.. كان من ضمن ما تحدثنا فيه عن مدى شعورها بالخوف من الاصابة أو الموت عندما تغطي أحداثاً اخبارية ساخنة في بعض المناطق المليئة بالصراع والحروب والثورات فأجابت بشجاعة.. هنا التفاصيل:
< كيف جاء اختيار قناة الجزيرة لك لتولي مهام مكتبها في أمريكا اللاتينية؟
- كنت أحلم بالذهاب الى أمريكا اللاتينية، وقد طرحت الفكرة على القناة وأعطيتها أسبابي، وتم قبول الفكرة، وكان ذلك في العام 2005 وقد وقع الاختيار على فنزويلا، لأنها بدت أكثر البلدان احتواء للأخبار التي تهم المشاهد العربي بسبب شخصية الرئيس هوغو تشافيز، ولأنها بلد تعد «قنبلة موقوتة» في حد ذاتها.

33 بلداً

< حتى بعد رحيل تشافيز؟
- سنتحدث عن ذلك لاحقاَ وأكمل حديثي وأقول نظرياً تضم أمريكا اللاتينة 33 دولة ومن المفترض تغطية كافة احداثها ولكن ليس من السهل فعل ذلك خاصة فيما يتعلق بصعوبة توافر الأمور اللوجستية لبث التقاريرالاعلامية للقناة، فهناك مثلا بعض البلدان لم يكن بها امكانية للتواصل مع قطر بالهاتف.
< هل صعوبات العمل تشكل ضغوطاً جسدية ونفسية على صحتك؟
- «تضحك» أكيد.. فعلى سبيل المثال عندما نغطى مأسأة عمال المناجم في صحراء فارغة من معالم الحياة فهذا أمر صعب جداً. لم نكن ننام أو نشرب أو نأكل ولكي نأخذ «شاور» كان الأمر يستلزم قطع مسافة حوالي 150 كيلومترا. هذه أمور أثرت في بالفعل صحياً ونفسياً خاصة وأنني انفعل جداً مع الأحداث والشخصيات التي ألتقيها.

ورطة

< من أين لك هذه الصلابة في تنفيذ عملك؟
- أنا من ورطت نفسي في هذا الأمر لقد ظللت ستة أعوام وأنا أطالب بفتح مكتب في أمريكا اللاتينية فوصلت هناك ووجدت المهام شاقة جداً.
< ولماذا اخترت امريكا اللاتينية؟
- لشعوري بوجود أشياء مشتركة بيننا، وكنت أطمح الى نقل فكرة التنمية الاقتصادية في هذه القارة الى الوطن العربي ونقل فكرة التغيير وكسر القوالب، كما شعرت ان النضال هناك يشبه نضالنا في الوطن العربي.
< لنعود الى سؤالنا عن فنزويلا بعد رحيل تشافيز؟
- فنزويلا الآن تغيرت الى الأبد، ورغم رحيله لكن فكره لايزال موجوداً ومؤثراً في المشهد السياسي، وعن نفسي اتوقع كثيراً من عدم الاستقرار السياسي.

خوف ومرض

< على الرغم من مهام عملك في فنزويلا لكننا شاهدناك كمراسلة لثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا.. فهل كان ذلك بطلب من القناة؟
- ذهبت الى أمريكا اللاتينية بحثاً عن معنى الثورة، فاذا بي أشاهد حدوث الثورات في الوطن العربي، فأردت ان أكون جزءاً من هذا الحراك.
< عندما تذهبين الى أماكن خطرة ومليئة بالصراع لتغطية أحداثها.. فهل تشعرين بالخوف من الاصابة أو الموت؟
- أكيد.. أنا لست شجاعة ومغامرة بالقدر الكافي، وقد تعرضت لمواقف شعرت فيها بالخوف فعلاً كما في ليبيا حيث أختبأت من الخوف، واليوم بعد أصبحت أماً أصبحت أخاف على حياتي بسبب ابني، وكثيراً ما تراودني فكرة.. كيف أذهب ولا أعود ومن سيبقى مع هذا الطفل؟ ولذلك فلا يحق لي المخاطرة، وقد حدث أخيراً ان طلبت الجزيرة مني الذهاب الى سورية فرفضت.

نظرية المؤامرة

< تعليقاً على ماحدث.. هل أنت مع نظرية المؤامرة وأن ثورات الربيع العربي تمت لحساب أجندات خارجية؟
- لست من أنصار هذه النظرية، ولكن بالطبع توجد أجندات ومصالح خارجية تصب في ايقاف الثورات وليس اشعالها.
< ولكن في أحد مقالاتك قلت مايشي بهذه المؤامرة عندما كتبت «ان هذه القوى تضحي بديكتاتور لكي ينام الثائرون» ألا يثبت ذلك اتباعك لهذه النظرية؟
- لا. كنت أقصد أنه بسبب خطر الثورات العربية على المصالح الاقليمية، تبرز أهمية السيطرة على هذه الثورات، أما المؤامرات والأجندات تحدث بعد اندلاع الثورات وليس قبلها، فلا أحد في السلطة على مستوى العالم يريد لثورة شعبية ان تنتصر، والا فكل شعوب العالم سيقومون بالثورات.

عميله تويترية

< سؤال قبل الأخير هل يزعجك استمرار اتهام قناة الجزيرة بالعمالة لإسرائيل ولجهات اخرى عديدة؟
- عادة لا أرد عليها، فجميع الاتهامات وجهت الينا، فقالوا اننا عملاء لإسرائيل والقاعدة. أنا على حسابي في تويتر تأتيني اتهامات تقول «أنا عميلة لاسرائيل وايران في نفس التغريدة».
< ماهو طموحك الحالي؟
- ان أكون أفضل أم في العالم، فالأمومة أصعب من كل عملي الذي قدمته، ولهذا السبب أنا في إجازة طويلة الآن وأقيم في الامارات حيث أقوم بتدريس مادة الصحافة في الجامعة الأمريكية، وحلمي الآخر ان أصبح كاتبة.